استهلالات سياسية غير موفقة للدكتور هليل / د . انيس خصاونة

استهلالات سياسية غير موفقة للدكتور هليل

تابع الأردنيون باهتمام بالغ خطبة الجمعة الماضية لإمام الحضرة الهاشمية /قاضي القضاة السابق والتي ألقاها من على منبر مسجد الحسين بن طلال.
ما ورد في الخطبة كان خارج ما ألفناه من مضامين وأفكار دأب الدكتور هليل وغيره من الخطباء على طرحها في خطب الجمعة ،إذ أن التحذيرات التي وجهها هليل من تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية التي يواجهها الأردن، وانعكاساتها المحتملة على كافة دول الخليج ،وطلبه العون السريع للأردن شكلت ولووج في الجانب السياسي ، والذي طالما حاولت الدولة الأردنية وما زالت تحاول إبعاد أئمة المساجد وخطبائها من الخوض في السياسة من على منابر المساجد.
نعم فقد كانت خطبة الشيخ هليل سياسية بامتياز إذ أنه طالب دول الخليج بدعم مالي سريع لإنقاذ الأردن وهذا يؤشر إلى عمق وخطورة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعانيها المملكة .وفي الوقت الذي يدرك فيه الاقتصاديون والماليون وكذلك المواطنون الوضع المأزوم للاقتصاد الأردني ، فإن خروج الدكتور هليل بهكذا تصريحات علنية ومن على منبر مسجد يرتاده أولي الأمر وكبار المسئولين قد زاد من إرباك المشهدين السياسي والاقتصادي الأردني وإضفاء الشكوك وأجواء عدم الثقة وحالة عدم التأكد في سلامة الاقتصاد الوطني ، وهذه الأجواء لها مردود سلبي كبير على النشاط الاقتصادي والمالي في الدولة.
تصريحات الدكتور هليل ذكرتنا بتصريحات مماثلة لرئيس الوزراء السابق عبدالله النسور في حكومته الأولى عندما قال بأن وضعنا الاقتصادي صعب للغاية ونحن أمام رفع الأسعار والضرائب أو تخفيض قيمة العملة ،وهذه التصريحات كبدت اقتصادنا الوطني الكثير ، كما دفعت الكثيرين لاستبدال الدينار بالعملات الأجنبية.
خطبة الدكتور هليل وإبرازه للوضع الاقتصادي والمالي الصعب جاءت وكأنها نيابة عن الحكومة وكنت أخال السيد هليل يقوم بالنيابة عن الحكومة ممثلة برئيس الوزراء ووزير التخطيط والتعاون الدولي لاستقطاب وجذب المساعدات والمنح للأردن.
أما فيما يتعلق بإشارات الدكتور هليل للمصلين إلى أن الوطن يتعرض إلى مؤامرة كبيرة ودعوته المواطنين إلى الحذر من الفتن وضرورة تجنبها فهو شيء جيد ، ولكن الشيء غير الجيد أن سماحته قد ساوى بين الفتن والمسيرات والمظاهرات ضاربا الأمثلة بما حدث في سوريا والعراق وليبيا والبحرين وغيرها من البلدان العربية .وهنا نود أن نسجل باستغراب شديد كيف يمكن أن يعتبر هليل المسيرات والمظاهرات فتن؟ ألم يجيز الدستور حرية التعبير والمسيرات والمظاهرات السلمية؟ أليس ما يحدث في أكثر الدول الديمقراطية من مسيرات ومظاهرات يدخل في باب الديمقراطية وحرية التعبير؟ أم أن الشيخ هليل يريد أن يحرم الأردنيين من ممارسة حق التعبير الذي كفلته المادة(15) من الدستور الأردني ؟
وفي الوقت الذي نتفق على أن الاقتصاد الأردني يعاني من أزمة كبيرة فإن انخراط قاضي القضاة السابق في حديث سياسي اقتصادي يتناقض مع ما تدعوا إليه الدولة الأردنية ووزارة الأوقاف من عدم الخوض في الجوانب السياسية من قبل الأئمة وتركيزهم على جوانب العبادات بدلا من ذلك.
أما إذا كانت الاستهلالات السياسية للشيخ هليل تمثل رسالة سياسية مقصودة من الحكومة الأردنية إلى دول الخليج فنعتقد بأنه كان من باب أولى أن يتم إيصال هذه الرسالة من خلال رئيس الحكومة والقيادة السياسية العليا الأكثر تأثيرا والأكثر حنكة في مخاطبة ملوك وأمراء دول الخليج الشقيقة.
أما على صعيد الرسائل الداخلية لخطبة الشيخ هليل فربما أن هليل لم يكن موفقا في مخاطبة الأردنيين المطالبين بالإصلاح السياسي ونعتقد بأن مضمون رسالته لم يكن مقنعا لا بل فقد تناقضت أقواله ومطالبه مع مضامين الدستور الذي كفل حق الأردنيين في إبداء أرائهم والتعبير عن مواقفهم وتنظيم المسيرات السلمية. استهلالات هليل السياسية التي ساوت بين الفتن وبين المشاركة في المسيرات السلمية المشروعة استهلالات غير موفقة وتشكك بجهود ونوايا الأردنيين المطالبين بإجراء إصلاحات سياسية حقيقية يلمس المواطن آثارها ونتائجها على الأرض ..

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى