احزاب الموالاة واحزاب المعارضة الاردنية

#احزاب_الموالاة و #احزاب #المعارضة #الاردنية
الأستاذ الدكتور #أنيس_الخصاونة
تتصف الأنظمة الديمقراطية في العالم الحر باحتوائها على مساحات كبيرة للتنوع في شتى مجالات الحياة ،حيث تسود ثقافة التعدد (Diversity) في وجهات النظر واحترام الاختلاف لا بل وتشجيعه لما له من انعكاسات إيجابية على تشخيص المشكلات والابتكار وتقديم الحلول إضافة الى احترام رأي الأغلبية من خلال صناديق الإقتراع. تشكل الأحزاب قاطرة الديمقراطية في تلك الدول، حيث تلعب دورا بارزا في التنشئة السياسية وفي المنافسة على خدمة المجتمع من خلال البرامج التي تطرحها لحل مشاكل الشعوب وتلبية طموحاتها. المعارضة في تلك البلدان محترمة ولا يتم شيطنتها وتخوينها والحقيقة أن هذه المعارضة تحظى بحماية سياسية وهي تؤدي وظائف سياسية (Political Functions) يأتي في مقدمتها مراقبة أداء الحكومات وانتقادها وكشف أخطائها مما يشكل دورا تثقيفيا يسهم في صياغة الرأي العام تجاه قضايا سياسية محددة.
تلك المقدمة ربما لا تنطبق على الحياة الحزبية في الأردن نظرا لموقف الدولة السلبي من احزاب المعارضة، واعتبارها عدوا للدولة ،وإضفاء صفة عدم الانتماء على منتسبيها.
من حيث الشكل لدينا احزاب موالاة واحزاب معارضة ،ولدينا قانون للأحزاب ،ولدينا هيئة انتخابات تشرف على تشكيل وممارسات الأحزاب ،ولكن عمليا فإن السلوك الحكومي والممارسات الرسمية تشي بأن الحكومة لا تحترم احزاب المعارضة ،لا بل وتضع كافة العراقيل أمام تشكلها وممارستها لأنشطتها وفعالياتها.
أحزاب الموالاة تتشكل خلال ايام وتصدر الموافقات الرسمية على إنشائها بسرعة فلكية ،ويتسابق المواطنون على الانتساب لها في الوقت الذي تواجة فيه احزاب المعارضة الأمرين للحصول على موافقة الدولة لإنشائها أو تصويب أوضاعها ناهيك عن تصيد الأخطاء أو افتعالها ومحاولة ثني بعض المتعاطفين مع هذه الاحزاب عن الانتساب لها واحيانا محاولة تحريض المنتسبين لها على الاستقالة او الانفكاك عن هذه الاحزاب .
الحقيقة الأهم أن الدولة عبر ماكنتها وأذرعها الرسمية خلقت ثقافة سياسية معادية (Hostile culture) ليس فقط للمعارضة ولكن للاختلاف مع رؤى الحكومات وسياساتها .لقد أصبح الاختلاف مع الحكومة محل تشكيك في المقاصد والغايات ،واصبح ينظر لمن له رأي آخر إما ساع وراء منصب او امتياز أو انه ضد الوطن وليس مع النظام السياسي وهذا لعمري إجحاف ما بعده إجحاف وافتئات على حقوق الإنسان وحريات التعبير.
تتضمن خارطة التحديث السياسي تصورات وتنبؤات بأن يكون نصيب الأحزاب السياسية من أعضاء مجلس النواب القادم 42 نائبا، وهو رقم مرشح للزيادة في الدورات القادمة وصولا الى مجالس نواب حزبية. نتساءل هنا عن انتماءات هؤلاء الأعضاء الحزبيين المتوقعين وفيما إذا كان جلهم سيكون من الاحزاب الموالية للحكومة أو التي تحظى برعايتها. لا يوجد حاليا أحزاب معارضة رئيسية في الأردن باستثناء حزب جبهة العمل الاسلامي ،وذلك بعد إقصاء حزب الشراكة والانقاذ من المشهد السياسي تحت ذريعة أن عدد من منتسبيه مسجل عليهم أحكام قضائية، علما بأن القانون يتحدث عن أحكام جنائية وليست قضائية بالمطلق. راجعنا مجمل مبادئ ومرتكزات الأحزاب التي تم الترخيص لها فلم نجد ما يمكنا من تسمية أي من هذه الاحزاب بأحزاب معارضة ذات نهج يتناقض او يعارض نهج الحكومات الاردنية. إذن يبقى حزب جبهة العمل الاسلامي في واجهة المعارضة السياسية الاردنية ويمكن تلمس الاختلاف البين والواضح في رؤى ومنهجيات وفكر هذا الحزب.هذا الحزب يضم ما يقل عن 9000 منتسب ويحظى يقبول شعبي لا يستهان فيه نظرا لخلفياته الاسلامية وصلاته التقليدية مع جماعة الاخوان المسلمين المحظورة .إن التقييدات الرسمية التي واجهت حزب جبهة العمل الاسلامي والفعاليات والانشطة التي يرعاها قد خلقت ثقافة سياسية مناوئة لا بل عدائية واتهامية لهذا الحزب المعارض مما يجعلنا نتنبأ بأن لا يتمكن هذا الحزب من الحصول عدد أكبرمن الأعضاء في المجلس النيابي القادم .
برأينا فإن المرحلة السياسية القادمة والحديث عن الإصلاح السياسي لن يفرز مجلس نواب حزبي بمعنى الكلمة ،وأن أحزاب جديدة مؤيدة للحكومة ستسيطر على المشهد السياسي مع تمثيل ضعيف وصوري لحزب جبهة العمل الاسلامي باعتبار أنه يتصدر أحزاب المعارضة السياسية.
الحديث عن الديمقراطية والتحديث السياسي في الاردن يبقى حديثا نظريا وإعلاميا إن لم تقم الدولة بترجمة تصريحات جلالة الملك عبدالله إلى واقع إصلاحي فعلي، يتم من خلاله إطلاق الحريات ورفع التابوهات عن تناول مشاكل حقيقية وخطيرة تتعلق بمستقبل الدولة ودور المعارضة السياسية باعتبارها ركنا اساسيا من أركان أي نظام ديمقراطي مستقر.لا أحد يمكنه أن يدعي أنه أكثر انتماءا وحبا وإخلاصا للاردن وتضحية من أجله، إلا بمقدار ما يقدمه للوطن وليس ما ينهبه او يستحوذ عليه بأساليب وطرق ملتوية. الأردنيون في القادسية، ومعان، والرويشد، والنعيمه، ودير ابوسعيد، والجنيد ،وعيرا ويرقا مواطنون مخلصون ومحبون لوطنهم وقد روى أبائهم وأجدادهم نجيع هذه الارض بدمائهم وتضحياتهم وهم اليوم يصبون إلى أن يكون لهم دورا في المشاركة السياسية الحقيقية في شؤون بلدهم .أن الاحزاب السياسية هي أبرزالقنوات التي تمكن هؤلاء المواطنين من ممارسة هذا الدور.إن الممارسات الرسمية التي تعكس اتجاهات سلبية نحو الاحزاب لا تتسق ولا تنسجم مع ما تنادي به قيادة هذا البلد من تشجيع الحزبية الا إذا فهمت الحكومات ان المقصود تشجيع أحزاب الموالاة أو “أحزاب الحكومة” فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى