إنكم أخطر من سوس النخيل المُدمر

إنكم أخطر من سوس النخيل المُدمر
م. عبد الكريم أبو زنيمة

سوسة النخيل هي حشرة تتسلل إلى جذع شجرة النخيل وتدخل بجوفه وهناك تقوم بوضع بيوضها وتتكاثر داخله وتعتاش على ما تنخره من لب الشجرة بعيدًا عن العيون البشرية، تبقى شجرة النخيل شامخة وكأنه ليس هناك بداخلها من يفتك بها، فجأة وبلا مقدمات تخر كتلة هامدة أمام أي نسمة هواء بعد أن يكون السوس قد فتك بها، أما العلاج الفعال لحماية النخيل من هذه الآفة فهو تحصين الجذع الحامل للنخلة من الخارج ليحول دون تسلل السوس اليها.
ما نشاهده وما نسمع به وما يعرفه الكثير منا يؤكد أن السوس البشري قد استفحل داخل هذا الوطن مع الفارق أنه قد تم التحذير عبر كافة الوسائل من قبل كافة الشرائح الوطنية من النتائج الخطيرة لهذا السوس البشري الذي ينخر بجسم الوطن جهارًا نهارًا أمام أعيننا جميعًا، لكن كل المطالب والمناشدات بتحصين البلاد دستوريًا وتفعيل سيادة القانون ذهبت ادراج الرياح للاسف! وزج بالمحذرين في المعتقلات!
ما شهدناه ونشاهده اليوم عند فتح اي ملف للفساد يشير اننا لا نعيش في الوطن الذي طالما تغنوا به بأنه دولة المؤسسات والقانون، بلد الامن والامان! عندما نرى الحشود السوداء الملثمة ولا استبعد انها مسلحة فأول ما يخطر ببالي داعش واخواتها وعصابات المافيا والمخدرات! فهل بعد كل ما سمعناه من تهجم وتطاول وشاهده كل الاردنيين لا زلنا نكابر وندعي بأننا دولة قانون ومؤسسات! وهل الوطن ارضا وشعبا ونظاما في مأمن!
دولة القانون هي الدولة المحصن دستورها شعبيًا وغير مسموح لاي كان العبث به الا بإرادة واستفتاء الشعب، القاعدة الرئيسة وعماد دولة القانون ان الشعب هو مصدر السلطات يكون فيها للقانون سيادته وهو المرجع والفيصل في كافة القضايا وهو الحصن والسياج الامين من اي عبث وعابث في امن واستقرار الدولة، وهذا ما نحلم ونطالب به ان يكون لكنه للاسف ما نفتقده، فلا عجب ان نرى ونشاهد يوميًا مظاهر تدل على هلامية الدولة من سطو على المال العام وتهرب ضريبي واعتداءات على املاك الدولة ورشاوى وفلتان امني والاستقواء بالعشيرة والقبيلة وآخرها ظاهرة الملثمين وهي اشارة ودلالة واضحة ان هناك من هم فوق القانون ويتطاولون على الدولة وهيبتها.
الفساد استشرى بشكل فاضح والفاسدون يصولون ويجولون وحيتان الفساد معروفون! ولا غرابة في ذلك؛ فنهج ادارة الدولة من سياسات التوريث وتغول السلطة التنفيذية على بقية السلطات ومحدودية صلاحيات الاجهزة الرقابية وتهميش السلطة التشريعية والهيمنة عليها وغياب الحريات وحرية الاعلام يؤدي الى تشجيع الفساد وتوفير بيئة آمنة للفاسدين، فكم من معدم كان بالأمس يستجدي القروض البنكية لمواجهة متطلبات الحياة اصبح اليوم مليارديرًا.. وكم من نائب دخل قبة البرلمان وما كان يملك سيارة اصبح اليوم يملك الطائرات والعقارات! فهولاء بالتأكيد لم يتلقوا هبات سماوية، غالبية أثرياء العقدين الماضيين لم يجنوا ثرواتهم كنتيجة لنشاطات اقتصادية او تجارية او زراعية وغيرها ناهيك ان الفترة ذاتها شهدت تراجعًا كبيرًا في نسب النمو والاستثمار وتراجعًا اقتصاديًا وزيادة كبيرة في الاقتراض الداخلي والخارجي!
كلنا مع محاربة الفساد وتخليص البلاد شريطة ان يكون ضمن اعلى معايير النزاهة والمصداقية والكفاءة والعدالة والشفافية والجرأة وان لا يكون انتقاميًا وانتقائيًا، على حكومتنا ان تطبق حكمة المثل الشعبي الذي يقول “الضبع قدّامنا وليش نقص بأثره”! اللصوص معروفين ومصادر اموالهم معروفة، أو عليهم اثبات شرعية ثرائهم ومصادر اموالهم، اموال واملاك الدولة المنقولة وغير المنقولة وسماسرة البيع والشراء معروفين فلماذا نبحث عنهم في المنادل؟ الدكاكين والهيئات والمؤسسات المستقلة أليس معظمها مصدرا لنهب المال العام! فلماذا لا نغلقها؟
خطوة جادة وحازمة لمحاربة الفساد سيقف خلفها ويلتف حولها كل الشعب الاردني مهما بهض ثمنها، الجدية في محاربة الفساد تتطلب بالدرجة الاولى تهيئة البيئة التشريعية الديمقراطية وأهم عناصرها استقلالية القضاء والفصل بين السلطات، المدخل الرئيس لتهيئة هذه البيئة هو اصلاحات دستورية عاجلة تفضي الى اعداد قانون انتخابي يؤدي الى تنمية حقيقية للحياة السياسية، عندها سنطمأن بأنه قد حان موعد قطع رؤوس اللصوص وقصم ظهورهم، وبخلاف ذلك سنبقى نغني ونهيجن “جّدلي يا ام الجدايل جدلي…وأمرحي وتهني وخلي الجديلي..”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى