إنقاذ الهيبة من الأنقاض! / نورس قطيش

إنقاذ الهيبة من الأنقاض!
ا يتعرّض له المعلّم من اعتداءات تعسفيّة نالت من قدسيّة المعلّم -وريث الأنبياء- وحرمة التعليم، أدخلته بين مطرقة الشكوى وسندان النحيب.

يبيت المعلّم ليله حيراناً كيف سيغدو للمدرسة مطمئناً ويرجع آمناً؟! هل سيذهب بسيارته -المرهونة بنكاً وتسدد قسطاً شهريّاً- التي من المحتمل أن تتكسر، أو يسافر نقلاً ويتأخر فيعاقب باستجواب عقباه لا يُحمد؟!

لم يعد يفكّر المعلّم بجدّية عن مستجدّات المعرفة والعلوم وابتكار طرق التعليم لتنمية مهارات الطلاب وتوسيع مدارك وعيهم، بقدر ما بات يبحث عن الأمان والهيبة المفقودة !

الإنسان بفطرته محبّ للمكانة والصيت الحسن، فهما وقود الطموح وحافز الإنجاز، وبدورهما يبحث الإنسان عن شتّى صنوف المعرفة للإبداع والتغيير الإيجابي لتطوّر وازدهار المجتمعات. لكن سرعان ما يفقد الإنسان حماسه في محاولة دفع عجلة الإيجابية لتفقد كوابحها وتتهوّر رجوعاً بتدمير ما سبق تعبيده وبناءه في حال تمّ النيل من الهيبة والمكانة للشخص.

فالهيبة واحترام المكانة أساس التقدّم والتنمية والإبداع. نقف هنا لأؤكد بأنه من الواجب الحفاظ على الهيبة لصنو المكانة وضمان قدسيّة المعلم.

انطلاقاً مما جاء في الورقة النقاشيّة السابعة لجلالة الملك عبدالله الثاني لتطوير العملية التربويّة ونهضة الأمّة بأنه لا بدّ من الإقرار بالتحديات التي يواجهها قطاع التعليم والعمل على تجاوزها، ولا بدّ من الوقوف جليّاً عند سنام العملية التربويّة: المعلم، حيث مسلسل الإعتداء المتواصل عليه بات مشكلة تعكّر صفو التعليم في الأردن والذي أكدّ جلالته على النهضة به في وقت تتسابق فيه الأمم في اقتصاد المعرفة واستثمار الطاقات البشريّة.

جاءت الورقة النقاشيّة السابعة بمثابة منح الضوء الأخضر للجهات المعنيّة جمعاء لتسريع وتيرة إصلاح التعليم وتنميته تزامناً مع التعدّي السافر على المعلمين من المارقين على قيمنا وعاداتنا السامية بمكانة المعلّم ونهج التعليم، فبداية الحلّ اعتراف بضياع هيبة المعلّم وانتهاك لحرمة التعليم، فالمعلّم أساس التعليم وقلب النهضة.

لنتساءل بدايةً عن العوامل التي ساعدت على إقصاء دور المعلّم في المدرسة والمجتمع وتهميشه ليصبح أمراً مستساغاً لمن تسوّل له نفسه بالنيل منه؟

العديد من العوامل التي عزّزت من إحجام مكانة المعلّم ودوره، منها: غياب دور التنشئة الأسريّة في غرس قيم الاحترام للمعلّم وتدارك مستويات المنظومة الأخلاقيّة لدى المعظم، والتي ساعدت في تنامي ظاهرة التنمّر لدى الطلبة على الأقران والتطاول على المعلّمين.

للإعلام دور رئيس وهامّ في تكوين آراء الناس وتغيير فكر المجتمعات، لهذا كان للتشويه الإعلامي تأثير قويّ بزعزعة مكانة المعلّم عبر توجيه التهم الباطلة للمعلّمين وتضخيم سلوكياتهم من أبواق سوقيّة دون أدنى اعتبار لمعلّميهم السابقين الذين لولاهم ما كتبوا حرفاً ولا أجادوا لفظاً !

قائمة العوامل تطول وتطول ليست بدءاً من القرارات المكتبيّة البعيدة عن الميدان والتي تشكّل عائقاً بعدم مواءمتها لأرضية الواقع وتزيد بذلك الفجوة بين المعلّم وباقي أطراف العملية التربوية، ولا انتهاءً بنقص امتيازات المعلّم وتدنّي راتبه.

على باب النقاش أن يبقى مشرّعاً على مصراعيه من الجهات المعنيّة لإثراء الورقة النقاشيّة ومعالجة المشكلات بدءاً من الإعتراف بالمعوّقات، فحاجة التعليم لحرمته دون المساس بها والمعلّم لقدسيّته دون النيل منه نواة أساسية لدفع عجلة التطوّر ونهضة الأوطان.

يقول غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير بأن: “البيداغوجيا التسلطيّة يمكن أن تكوّن أفراداً خاضعين أو ناقمين، والبيداغوجيا التساهليّة تكوّن أفراداً لا مسؤولين”، لذا الحاجة لهيبة الاحترام ما تسهم في تكوين شخصيّة التلميذ قبل صقل مهاراته، وبالتالي يصبح رجلاً مسؤول وبنّاء لإذكاء المعرفة والإسهاب الإيجابي في التغيير.

حتى لا نقول نادمين كما قال لوبون:” الهيبة التي تصبح عرضة للنقاش، لا تعود هيبة”، ليحن الوقت بتغليظ أشدّ العقوبات على المعتدين والمسيئين، وللأمانة متفائلون جداً بمعالي الدكتور الرزاز في إصلاح التعليم بدءاً من جملة القرارات الأخيرة وليس انتهاءً بالوقوف صفاً واحداً مع المعلّم، وحماسه بعدم التهاون مع كلّ همّاز لمّاز بحق المعلّمين، فلأركان التعليم قدسيّة لا تقلّ عن دور العبادة وحماة الأوطان، فهم بناة الأرض والإنسان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى