إلى والديَّ الغائبينِ الحاضرينِ

إلى والديَّ الغائبينِ الحاضرينِ

أ. د. خليل عبد الرفوع

إلى والديَّ
صباحُ الحروفِ
أريجُ الكلام، وقطرُ النّدى
بداياتُ طفلٍ على دَرَجِ الياسمينِ
يسير إلى منزل الغيم صبرًا فصبرا.
وليْ غيمتي في الشتاءِ
صباحًا أراها
على وجهِ
أميَّ بُشْرى تضوعُ شذًى كاشتهاء الربيعِ
وحينَ المساء أراها
سياجًا من الصبرِ
في طيف ذكرى
أبي
كان يحمل في سِفْرِ عينيه شكلي
على موقد الحب جمرًا وصخرا
فيدخلَني بالأبوة وِدًّا وشَهْدا وبِشْرا
كحمحمةِ الغيثِ
وجهانِ في دفقةِ النبضِ
قد غَرسَا سنديانًا لأُسَنِدَ ظهري إليهِ
كما السَّدُّ عُسْرا ويُسْرا.
ولي غيمةٌ من رحيق الأمومة نهْرا
تعوِّذُ روحي بخُضْرِ الأماني
إذا جفَّ عودي بريح الخريفِ
إذا الكربُ مدَّ خيوطَ الغروبِ إليه
وناءَ بحِمْلِ الليالي عليهِ ظلامًا ونُكْرا.
نداءً خفيًّا أناديكما
أيها الأبوانِ
قدِ اشتعل العُمْرُ  وابيضَّ فيه السّوادُ
فكونا عليه سلامًا وطُهْرا
ورُدّا إليه وِشاح الطفولة ذُخْرا
لكي تنهضَ الشمسُ من خِدْرِها
بانتظار صلاةِ النهارِ  بُكُورًا وظُهْرا.
هما أغنياتٌ لمَرْسَى اللقاءِ
وظِلُّ الثواني ورجعُ صدايَ
فودقُ السماءِ
يميدُ شهيًّا إليَّ شهيّا
إلى تربة الروح حرّى
بميلاد قمح نديٍّ تجلّى
كنور الإله ضياءً ودُرّا.
ألا أيها الأبوانِ 
رأيتكما صاعدينِ معًا
في ارتعاش الكلامِ
وسِدرةِ هذا الفؤادِ
فلي أن أبوحَ بكل الدعاءِ
جِهارًا وسِرّا
يمدُّ سرايا ابتهالي
شذًى في عروق السماءِ
فكم شهقةٍ في خبايا الحشى
تنوخُ بهمس الأغانيَ سكْرى
ترن كقوسٍ إذا زلّ عنها جَوًى سهمُها
لكُما ذا النشيدُ أنيقًا كلحن المطرْ
وتلك الأغاني أكاليلَ تزهو بخفق الوترْ
فجُوْدَا عليَّ
بنهر الحكايا وعين الرضا
وجودا
على غيمة الروح فُلًّا وَوَرْدا
وحزِبًا وجُزْءًا
وجزرًا ومَدّا
هما الوالدانِ
يطوفان كلّ حنينٍ
على بيدر القلب غيمًا سخيّا ليُنْبِتَ زَهْرا
طوافَ المُلبّي إذا الليلُ أضنى فؤادي
وَرِيْدّا وريدا
وسَبْحًا طويلا
يعيدانِ قلبي أنيفًا
إلى حمرة الأقحوانِ
هما السيدانِ إلى آخر العمْر
حيثُ البدايةُ مأوى اللقاءِ
وحيث النهايةُ بدءُ الحياةِ
فَطُوبى لمنْ كان شمسًا يوشّيْ
غمَامَ الفؤادِ رِهامًا وبِرّا.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى