إلى الذين لا زالوا يترقبون من الكبار
خرج الناس إلى غزوة أحد دفاعاً عن مدينتهم، إلا أنه رجع ثلثهم وكانوا من المنافقين، بحجة استماع الرسول صلى الله عليه وسلم لرأي الشباب وترك رأيهم وهم الكبار، ولم يبق في المدينة إلا من أعذره الله والناس لكبر السن أو المرض.
فقال اليمان والد حذيفة الصحابي الشهير لثابت بن وقش: لم لا نلحق بإخواننا لعل الله يرزقنا الشهادة ولم يبق من أعمارنا إلا كظمئ حمار، فأخذا سيفيهما يتكئ أحدهما على الآخر حتى دخلا في غمار الجيش، ورزق اليمان الشهادة وعاش الآخر.
وأقول لنفسي ولهؤلاء الكبار الذين يحظون بالاحترام اليوم..
ألم تروا أن الدنيا تغيرت في كل شيء؟ وتيقنوا أن الأجيال تغيرت كذلك فيما نحب ونكره على حد سواء.
لا ينكر عاقل حكمتكم، ولا يجادل صادق في ثراء تجربتكم، ولا يستغني صاحب مشروع انقاذي إصلاحي تغييري عنكم.
ولكن لا تحرموا الوطن حاضراً ومستقبلاً من جهدكم، ولا تحرموا بوادر حركات التحرر والانعتاق ونشدان الكرامة والعدالة التي كنتم تحلمون بها وعملتم لها وقدمتم لها أعز ما تملكون والتي استأنفها أبناؤكم وأحفادكم، واعلموا أنَّ في جاهكم زكاةً دينية ووطنية، فحتى الله العادل العليم الخبير الجواد الكريم لا يسمع من ساكت فقال :”ادعوني استجب لكم”، فعبّروا عن أنفسكم وعن رأيكم بأنّ استمرار الحال من المحال، وما نراه اليوم هو مقدمات الدمار لا محالة، ما لم يُكبح جماح الاستبداد والاستفراد والاستقواء والفساد، لكن قولوها هذه المرة بصوت عالٍ بصدقية جادة، قولوها بمواقفكم وعملكم وليس بأقلامكم وألسنتكم فقط.
شاركوا الشباب مواقفهم وجالسوهم واحضروا معهم ساعة أو بعض ساعة وأشهدوا الله شهادةً عملية تنجيكم أمام الله والاجيال والضمير الحي.
ما اجملكم ما أعظمكم لو حضر أحدكم يتكئ على الآخر ويجر رجليه جراً نحو تجمع الشباب والشابات أبناء الوطن من أبنائكم وأحفادكم، وسيحملكم الجمع على رؤوسهم حتى لو اشتد البرد، وهطل المطر، وتطاولت الالسنة ظلماً وزوراً على الشرفاء.
عندها ستزيدون عزيمة الشباب اتقاداً، ورأيهم رشاداً، ومواقفهم سداداً.
وسترسلون رسائل حية إلى جهات عديدة منها:-
إلى الجالسين على مضض وبألم وحذر شديدين، وحسرة متناهية في بيوتهم يترقبون الموقف، وسيقتنعون أنَّ الامر جِد، وأنَّ ما أخرج هؤلاء الكبار إلا أمر جلل، وسيتساءلون لم خرج هؤلاء؟
وإلى قوى الشد العكسي ومعسكر الدولة العميقة الفاسد أن الأمر تغير وهو جِد أيضاً.
وإلى مجاميع الفُسّاد النُّهاب السُّراق المستأثرون بمقدرات الوطن أن قد اقترب الحبل من رقابكم.
وإلى النظام المتخم بالتقارير المزورة الكاذبة التي يقدمها هؤلاء والتي مفادها انّ الشعب بخير وما هذه الوقفات والاحتجاجات إلا ألاعيب شكلية وليس وراءها وعي ولا عمق ولا قوة ولا جماهير وهي تحت السيطرة.
وإلى العالم الخارجي الظالم المستفيد من تسلط الأنظمة واستبدادها، والداعم لبقاء الحالة العربية بين الحياة والموت، فلا هي حية تنمو وتواكب تطور الحياة وتبني أوطانها وتحرر أرادتها كبقية شعوب العالم، ولا ميتة فتدفن ليستبدل غيرها.
والرسالة للخارج ليس طلباً لنجدة قوى الظلم العالمي إنما لتتوقف عن مشروعها بدعم الاستبداد والدكتاتورية الذي ثبت فشله.
لــــَنْ نيــــأس..
التقيت رجلاً عروبياً مسيحياً جاوز الثمانين، مريضاً ضعيف الجسم، لكنه متقد العزم قوي الإرادة، يغسل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع يجر رجليه جراً وبمساعدة صديق، لا يقوى على إكمال جملة طويلة مرة واحدة، لم يمنعه ذلك من الوفاء بموعد لقاء معه صباح الأثنين الفائت، يُحمّلنا جميعاً مسؤولية الأمة المنكوبة، تحاورت معه واتفقنا في معظم ما طرح، والغريب المبشر أنه أصر على لقاء آخر خلال أسبوع وقد تم ذلك، ولما عزم على المغادرة اتكأ على شاب ليصل إلى سيارته بصعوبة كبيرة وأنا أرقب المشهد.
وقلت في نفسي هل يبقى لأحدنا من عذر؟
وأخيراً يا أيها الكبار..
أنتم كبار دائماً وتكبرون بحجم قيامكم بواجبكم تجاه أوطانكم وشعوبكم بما أوتيتم من قوة.
ويقولون أنّ حل مشكلاتنا مهما عظمت هي بين ما فعلناه، وبين ما يمكننا فعله فقط؛ فهل نفعل ما نستطيع فعله؟