إضراب المعلمين / احمد طناش شطناوي

إضراب المعلمين.. فوضى خلّاقة أم عبث إداري

في كل يوم يمر على استمرار الإضراب تتجه البوصلة التحليلية إلى اتجاهات أخرى، ذلك أن المؤشرات والدلالات التي يتم بثها وتناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام السياسي والشعبي تمر في تناقضات كثيرة، وإن المتتبع لهذه القنوات المزودة للبيانات ومعطيات البحث ليجد حالة غير طبيعية يمر بها هذا الحراك الذي أفضى إلى تعليق العملية التعليمة في كافة مدارس المملكة ولمدة ثلاثة أسابيع متتالية.

وإن تمسك الحكومة بنظام المسار المهني المستحدث الذي يؤول إلى خصخصة جزئية في هيكل وزارة التربية والتعليم، وهذا واضح وجلي من تخلي الوزارة عن تأهيل المعلمين وتدريبهم من خلال عقد الدورات وورش العمل التي تطور من أداء المعلم وتصعد به على سلم الترقية المهنية، مع العلم أن هذه الدورات كانت تقدمها الوزارة عن طريق مشرفيها التربويين وبدعم من منظمات عالمية، أي أنها لم تكن عبئا ماليا في أغلب الأحيان على الوزارة ولا على خزينة الدولة، لكن يبقى التساؤل قائما، لماذا تتمسك الوزارة بهذا النظام المرفوض قطعا من قبل المعلمين ونقابتهم والشعب بشكل عام؟.

ولمن يتساءل عن الرفض الشعبي، فإن مهنة التعليم مهنة واسعة الانتشار في الأردن، وخريجو الجامعات في السنوات القادمة سيعانون من آلية هذا النظام الذي سيرهقهم ماليا، ففي حال طُبّق هذا النظام سيتحتم على من أراد الانضمام إلى مرتب التعليم أن يسعى لنيل مزاولة المهنة عن طريق الأكاديميات والمراكز التدريبية المختصة والتي تم اعتمادها من قبل الوزارة وعلى نفقته الخاصة، وهذا سيكسبه فرصة إضافية في التعيين متجاوزا الترتيب التنافسي في ديوان الخدمة المدنية، وفي هذا إجحاف حقيقي لمن ينتظر منذ سنوات دوره في التعيين، والمأساة تتزايد بعد التعيين عند استلام أول راتب والذي لن يصل إلى 300 دينار حسب تصريحات نقابة المعلمين، ناهيك عن المعلم الذي يمارس مهنته حاليا، فلن يحظى بالترقية ما لم يحصل على دورات مدفوعة الثمن من هذه الأكاديميات خلافا لما كان متعارفا عليه منذ تأسيس الوزارة، وهذا سيرهق راتب المعلم فوق أعباء الحياة والالتزامات التي يعاني منها حاليا.

مقالات ذات صلة

أما بشأن استمرار الإضراب ووصول تجاوب الحكومة معه لحالة خدر تام في الأيام الأخيرة، فإن هذا يؤكد على أن وراء الأكمة ما وراءها، هل سعي الحكومة لتأجيج هذا الإضراب الذي شمل شريحة واسعة من المجتمع واكتسب تعاطفا شعبيا كبيرا كان ممنهجا وله أبعاد أخرى؟ أم أنه تخبط إداري وحالة عبث إدارية لم يستطع صانع القرار في الحكومة التجاوب معها والتعاطي مع مجرياتها؟
وإن المتأمل لطرح نقابة المعلمين يرى أن النقابة لم تطالب الحكومة بصرف العلاوة حاليا وبشكل كامل، فعلى مائدة الحوار تقدمت النقابة بطرح أحسبه ضمن إطار التنازل المبطن بأن تعطي الحكومة اعترافا بحق المعلمين بالعلاوة وتحديد نسبتها كما قدمتها النقابة 50% من الراتب الأساسي، ومن ثم يتم التفاوض على آلية تقسيمها وصرفها حسب استطاعة الحكومة وحالة الموازنة العامة، وإن جاز التشبيه فإن ما تطلبه النقابة (عطوة اعتراف)، وما يمنع الحكومة من الاعتراف بهذا الحق المستحق منذ سنوات خمس مضت؟ مع العلم أن الحكومة في تصريحاتها تقول “نحن نسعى لتحسين وضع المعلم المعيشي ونؤمن بدور المعلم الكبير ونحترمه ” أهو عجز الموازنة؟ أم هو خلق حالة من الفوضى الخلاقة؟
لا أعتقد أن الأمر مرهون بقضية مالية ولا بعجز الموازنة، وذلك لأن تقسيم العلاوة على عدة سنوات لن يرهق كاهل الموازنة كما تدعي الحكومة، إذ أنها وبتمسكها بقرارها خسرت ما يزيد عن ثلث قيمة العلاوة في هذه الأسابيع الثلاث كما أشرت في منشور سابق، إذن أين يكمن الخلل؟ وأين يكمن الحل؟ وإلى أين ستأخذنا قرارات الحكومة؟

نعلم جميعا أن جلالة الملك قد أعطى توجيهات ملكية واضحة بحل قضية المعلمين، ولكن الحكومة لم تتجاوب مع هذه التوجيهات بعناية ولم تجعلها طريقا إلى مائدة حوار تصل إلى حل ينهي هذه القضية.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى