أمي أردنية وجنسيتها حق لي . . هل هو شعار أمين ؟
شعار مرفوض ودعوة آثمة تلك التي تنعق بها من حولنا أبواق مريبة رافعة أصواتها بالقول : ” أمي أردنية وجنسيتها حق لي “. لقد أقرت حكومة الدكتور عبد الله النسور السابقة، بضغط من البرلمان السابع عشر وبدعم من جهات متنفذة، تسهيلات ” المزايا المدنية ” لخدمة أبناء الأردنيات المتزوجات من الأجانب. فأثار هذا القرار في حينه جدلا واسعا بين صفوف الأردنيين ، باعتباره الخطوة الأولى لتجنيسهم ومنحهم الحقوق السياسية كبقية الأردنيين.
أخذت بعض وسائل الأعلام المحلية والإقليمية تردد هذا الشعار، وتحث على تطبيقه بحسن أو بسوء نية، رغم أنه سيخدم في محصلته غايات مشبوهة. وإمعانا في تحدي مشاعر معظم الأردنيين، جرى في الآونة الأخيرة رفع مذكرة إلى رئيس الوزراء دولة الدكتور هاني الملقي، تطلب منه الإيعاز للدوائر المختصة بتفعيل قرار ” المزايا المدنية ” إضافة لمساواتهم بأشقائهم الأردنيين من جميع النواحي بما في ذلك اكتساب الجنسية الأردنية، وكما يجري في بعض الدول الأجنبية.
لاشك بأن المقارنة بين الأردن والدول الأجنبية في منح الجنسية هي مقارنة خاطئة، والسبب في ذلك أن تلك الدول لديها من المساحة الجغرافية وعدد السكان، ما يسمح لها باستيعاب ملايين المجنسين، دون أن يؤثروا على التركيبة الديموغرافية أو الوضع السياسي في البلاد، خاصة وأنها لا تواجه قضايا تهدد أمنها الوطني. بينما في حالة الأردن فإن هذا الفعل سيضر بالأردنيين والفلسطينيين على حد سواء، لكونهما يواجهان مشروعا صهيونيا يسعى جاهدا لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها، وإقامة وطن بديل لهم على الأرض الأردنية.
وفي حالة تطبيق مطالب التجنيس المنادى بها – لا سمح الله – فإن 89,000 سيدة أردنية ستستفيد من هذا القرار في الوقت الحضر، من بينها 52,606 سيدة متزوجة من فلسطينيين. فلو افترضنا أن معدل أفراد العائلة 4 أشخاص فهذا يعني أن أكثر من 21,0000 فلسطيني سيحملون الجنسية الأردنية بدلا من الجنسية الفلسطينية. علما بأن حالات الزواج من الأجانب في الأردن، تتزايد بما يقارب 5000 – 6000 زيجة سنويا معظمها من أشخاص فلسطينيين. ومن المعروف أن القانون الأردني يقضي بأن يتبع المولود جنسية والده وليس جنسية أمه.
يقول مؤسس المبادرة النيابية الدكتور مصطفى حمارنه : ” أن الدولة هي المستفيد الأساسي من هذا التحول، حيث أن الفئة المذكورة تغلب عليها صفات الفئات الإنتاجية الشابة، وزيادة شريحة دافعي الضرائب”. لا أعرف كيف يمكن تفسير هذا القول، وكأنما نحن نبحث عن إستراتيجية مادية وليس عن إستراتيجية قومية، تتعلق بأمن ومصالح الأردنيين والفلسطينيين في آن واحد، وكأن هؤلاء عند منحهم الحقوق المدنية لا ينتجون ولا يدفعون الضرائب كما يشير عطوفته.
يتذرع القائمون بمطلب التجنيس لأبناء الأردنيات بما يدعونه ” الناحية الإنسانية “، رغم أن قرار مجلس الوزراء شمل هذا الموضوع بين طياته، وقدم الكثير من مجالات الخدمة لتلك الشريحة من الناس على حساب أبناء البلد الأصليين، واستثنى فقط النواحي السياسية حفاظا على حقوق الأردنيين والفلسطينيين. إلا أن هذا الفعل لا يعجب المتباكين على النواحي الإنسانية ويصرون على مطلبهم، حتى لو كان فيها ضرر لمصالح الطرفين.
قدمت الحكومة الأردنية تسهيلات عديدة لتلك الشريحة المستهدفة تمكنهم من العيش بكرامة، وتحافظ على حقوقهم السياسية في وطنهم الأصلي فلسطين منها : التعليم، الصحة، الإقامة، العمل، قيادة المركبات، التملك والاستثمار ضمن شروط معينة. ولابد من الإشارة هنا بأن الأنظمة الإسرائيلية تلزم سكان الضفة الغربية وغزة، على تثبيت إقامتهم في الأراضي المحتلة خلال فترة محددة، وهو أمر يتناقض مع إقامتهم لمدد طويلة خارج أراضيهم الفلسطينية.
وإن كانت الدول التي حولنا تحولت إلى دول فاشلة، بسبب الحروب الطائفية والعرقية وهجّرت شعبها خارج الحدود، فهل من واجب الأردن تحمّل وزر تلك الهجرات، وأن يُقدّم المأوى والخدمات والحقوق السياسية لهؤلاء، وترسيخ صورة التسامح التي يدعيها أولئك المغامرون بحجة النواحي الإنسانية ؟ من الواضح أن هنالك مخاطر كبيرة في إتباع هذه الإجراءات. ومن أهمها ذوبان الهويتين الأردنية والفلسطينية، وتكريس نظرية الوطن البديل على حساب الأردن وضياع فلسطين. فهل هذا ما يسعى إليه دعاة الحقوق السياسية لأبناء الأردنيات المتزوجات من الأجانب ؟
من ينادي أو يساعد في تطبيق شعار : ” أمي أردنية وجنسيتها حق لي ” يرتكب خطيئة ولا يؤتمن على مصير الأردن وفلسطين، لأنه يقدم خدمة خالصة للمشروع الصهيوني الخطير. فالشعار الحقيقي الذي يجب أن يرفعه أولئك الدعاة هو : ” أمي أردنية وجنسيتها ليست حقا لي “.
ولهذا نأمل من رئيس حكومتنا الموقر دولة الدكتور هاني الملقي، أن يرد هذا الطلب المشبوه وأن يكتفي بقرار المزايا المدنية، الذي سمح بخدمات عديدة لتلك الشريحة من الناس، وحافظ على سلامة الأمن القومي للأردنيين والفلسطينيين.