أفضل أيام الدنيا { العشر من ذي الحجة }د.منتصر الزعبي

إنَّ من رحمة الله – عز وجل – أن جعل لعباده المؤمنين مواسم للخير , يكثُرُ أجرها , ويعظُمُ فضلها , حتى تتحفزَ الهممُ للعمل فيها , فتنالَ رضا الله وفضلَه . وها نحن مع آخرَ موسمٍ من مواسمِ الخير والرحمة ،موسم من مواسم الآخرة في هذا العام الهجريِّ– موسمُ تجارةٍ مع الله – تجارة تنجينا من عذاب أليم , تجارة لن تبور بإذن الله. سنعيش أيامًا مباركةً , سمَّاها الحق بالأيام المعلومات ,قال الله تعالى : ( ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُروا اسمَ اللهِ في أيامٍ معلوماتٍ ) الحج 28. أقسمَ الله سبحانه وتعالى بها , تعظيمًا لها وتشريفا , فقال : ( والفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْر ) ،فهي أفضلُ أيامِ الدنيا كما أخبر الصادق الأمين صلوات ربي وسلامه عليه فقال 🙁 أفضلُ أيامِ الدٌنيا أيامَ العشْرِ – أي من ذي الحجة – ) وهو الشهر الأخير من هذا العام الهجري , والذي عمَّا قريب ستطوى صحائفه , وتغلق خزائنه , على ما عملنا من خير أو شر ,كيف لا وهي أيام زيارة لبيت الله الحرام ،فهي أيام ضيافة ،فالحجاج حلو ضيوفا على الله في بيت الله ، ولِما جمعه الله فيها من يوم التروية – يوم 8 ذي الحجة وفية يتوجه الحجاج إلى ( منى ) في طريقهم إلى عرفات وهم محرمين وملبين ومكبرين – , ويوم النحر , ويوم عرفة – وهو يوم الحج الأكبر – الذي هو ركن من أركان الإسلام , وشعيرة عظيمة من شعائره , وهو يوم النحر . لقد وضع الله سبحانه وتعالى في نفوس المؤمنين , حنينا لزيارة بيت الحرام , وليس كل واحد منا , قادرًا على زيارته خاصة في أيامنا هذه , بسبب القيود الصعبة على من أراد الحج . فلهذا جعل الله هذه الأيام مشتركا بين من وفَّقه الله لزيارة بيته , وبين من عجز عن الحج , فمن لم يقدر على الحج قدر على العمل بطاعة الله – عز وجل – وهو في بيته عملا يفضُل الجهاد في سبيل الله . عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : }مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ{. [ صحيح البخاري] وإنَّ من الأعمال الفاضلة , التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في عشر ذي الحجة : الذكر : فيُسَنُّ التكبير , والتحميد , والتهليل , والتسبيح , أيام العشر والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى . ويجهر به الرجال , وتخفيه المرأة قال الله تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) الحج : 28 والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر , لِما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيام المعلومات : أيام العشر ) ، وصفة التكبير : الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد ، وهناك صفات أخرى . والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة , ولا سيما في أول العشر , فلا تكاد تسمعه من أحد ، فينبغي الجهر به , إحياءً للسنة وتذكيراً للغافلين ، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما , كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . والذِّكر من أعظم القربات إلى الله , وهو رأس الأعمال الصالحة , ورد أن رجلا من أصحاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال ذات مرة : يا رسول الله , إنَّ شرائع الله قد كثُرت عليّ , فأخبرني بشيء أتشبث به , فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( لا يزالُ فوكَ رطبٌ بذكر الله ) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” ما مِنْ أيامٍ أعظَمُ عندَ اللهِ وَلا أحبُ إليهِ العَمَلُ فيهنَّ مِنْ هذهِ الأيامِ العشْرِ فأكثروا فيهنَّ مِنَ التهليلِ والتكبيرِ والتحميدِ ” . أخرجه احمد . والاستغفار من الذكر , بل ومن أعظم الذكر , وانظروا ماذا يقوله الحق – جلَّ جلاله – على لسان سيدنا نوح – عليه السلام – ؟ : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِين َ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) جاء رجل إلى الحسن البصري – رحمه الله – فقال له : إن السماء لم تمطر , فقال له الحسن: استغفر الله ثم جاءه آخر فقال له: أشكوا الفقر!! فقال له : استغفر الله , ثم جاءه ثالث فقال له: امرأتي عاقر لا تلد!! فقال له : استغفر الله , ثم جاءه بعد ذلك من قال له : أجدبت الأرض , فلم تُنْبِت !! فقال له :استغفر الله فقال الحاضرون للحسن البصري : عجبنا لك أو كلما جاءك شاكٍ قلتَ له استغفر الله ؟ فقال لهم: أو ما قرأتم قوله تعالى) : فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ( نوح:10-12 الصيام : فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر ، والصيام من أفضل الأعمال . وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي : ” قال الله : كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ” أخرجه البخاري . وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يصوم تسع ذي الحجة ،فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر . أول اثنين من الشهر وخميسين ” أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/462 الإكثار من الأعمال الصالحة عمومًا : لأنَّ العملَ الصالح محبوبٌ إلى الله تعالى ،فمن لم يُمْكِنُهُ الحجّ فعليه أن يَعْمُرَ هذه الأوقات الفاضلة , بطاعة الله تعالى من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخير وسبل الطاعة ،فليحرصْ المسلم على مواسم الخير فإنها سريعة الانقضاء .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى