أعمدة الضجيج!

#أعمدة_الضجيج!

#يوسف_غيشان

كنا صغاراً -ولم نكن أطفالاً بمفهوم #الطفولة – وكنّا فقراء، بمفهوم #الفقر المفرط، وكانت مدينة ملاهينا وألعابنا هي بالتحديد مزبلة طنوس، لكننا، ومع أننا #فقراء، فقد كنا نسأم، كبقية الكائنات، من مدينة الملاهي تلك، فنتوجّه للبحث عن ألعاب أخرى خارجها، تتناسب مع البيئة الاجتماعية التي نحيا فيها ولا نرزق، مع اشتراط المجانيّة الكاملة لهذه الألعاب، طبعاً.

إحدى هذه الألعاب المجانيّة المبتكرة كانت بأن نحمل حجراً بحجم الكف ونطرق بواسطته طرقاً قويّاً ومثابراً على كل عامود كهرباء نمرّ من عنده، فتتحول الحارة فوراً إلى سلّة من الضجيج المحض، وتتعالى الصرخات من أهالي الحارة، خصوصاً إذا كنا نمارس هذه اللعبة الرائعة بعد الظهر، حيث الكثير من الناس نيام، من قلّة الشغل، على الأغلب.

مقالات ذات صلة

وهكذا كنّا نهرب من عامود إلى عامود تاركين الصرخات والشتائم المدوّية خلفنا بلا أسف، ونادراً ما كنّا نتعرّض لإلقاء القبض علينا، لأننا كنا نعرف مداخل ومخارج الحارات جيداً، ونقفز فوق سطوح البيوت الطينية المتقاربة، ونخرج من مكان آخر، وننتقل إلى عامود آخر بكل رشاقة وسؤدد.

كنّا نستغرب لماذا يتضايق الأهل منا ويشتموننا، فقد كنّا نعتقد في حينه أننا مجرد صغار يلعبون. أمّا الان، وقد اشتعل الرأس شيبا، أستطيع أن أضع نفسي أمام أهالينا المنزعجين، وأدرك حجم التلوث الصوتي الذي كنا نحدثه لمجرد اللعب. وكم أنزعج حينما يتنطح أحد اطفال الحارة للموضوع ويشرع في الطرق على العامود المقابل لجمجمتي مباشرة، وأكاد أن أعلن عليه الشتم، إلا أنني أتراجع حينما أتذكر نفسي وذلك الطفل الذي كنته.
الآن، كم أتمنى أن ننقل هذه اللعبة إلى عالم السياسة، ونبدأ نحن الصغار، في استلام العواميد (الأعمدة) المحيطة بالمباني الحكومية والطرق عليها بحجارة بحجم الكف، كلما شعرنا أنّ ثمة قرارات تطبخ لتحميل الشعب ديون وأخطاء الكبار وخطاياهم.
هيّا بنا نلعب يا شباب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى