أساتذة جامعيون ! / عبدالرحيم الزعبي

أساتذة جامعيون !
يعتقد بعض الأساتذة الجامعيين (هنا في الأردن) أن أحدهم حين يحصل على درجته العلمية في اختصاص ما (فيزيا/ رياضيات/ اقتصاد) يصبح جاهزا للتفلسف في الشأن العام ! ويتناسى أن معاناته في أطروحته التي تتناول جزئية فرعية في مجال تخصصه كادت تخرجه عن دينه وملته وعقله وتوازنه وشؤونه الخاصة قبل العامة !
أشعر أحيانا وأنا أقلب بروفايلاتهم وأنظر في منشوراتهم أن هناك صوتا واحدا يخاطبهم جميعا، كل بحسب تخصصه، فيقول للفيزيائي: أنت وإينشتاين تحملان نفس الدرجة العلمية في الفيزياء، أفلا تكون فيلسوفا فذا مثله ؟! فيجيب بلا تردد: بلى، أنا لها. ويقول للرياضي: أنت وبرتراند رسل تحملان نفس الدرجة في الرياضيات، أفلا تكون مؤرخا وفيلسوفا عبقريا مثله ؟! فيجيب: بالتأكيد، أنا لها. وأخير وليس آخرا يخاطب الإقتصادي فيقول: أنت وماركس تحملان نفس الدرجة في الاقتصاد، أفلا تنظر في الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع كما فعل ؟! فيجيب بحزم: بالطبع سأفعل.
ويزداد الأمر تأزما حين يضيف أحدهم “التدين” إلى مصفوفة مزاياه الخارقة، فيخيل إليه عندئذ أن فلسفة المذكورين أعلاه “كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء”، بينما ترهاته كشف روحاني إيماني من نور الله ! ويحسب فلسفته (عفوا أقصد ترهاته) تربط الجزئي (الخلق) بالكلي (الخالق) ! يا ويل قلبي !
ثم يستثمر جمهوره الجاهز لممارسة نشاطه، فيفتح بروفايله الشخصي لطلابه وطالباته (وهو عالأغلب يفضل الطالبات)، ويبدأ بمشاركة أفكاره النيرة والتعبير عن أحاسيسه “الصادقة”، ويتابع عداد اللايكات ! ولعل ذلك دليل قاطع على ضعفه وهشاشته، فإحساسه بالرضا عن نفسه يبدأ مع اللايك الأولى (أول الغيث قطرة)، ثم يتسارع بالتزايد حتى الوصول إلى ذروة ما (عدد الطلبة الذين سجلوا عنده موادهم لهذا الفصل)، ثم يعاود إحساس الرضا بالتناقص مع استقرار عداد اللايكات (وصل المنشور لطلبته في جميع الشعب) ! بعد ذلك يحتاج إلى فتح عداد جديد وهكذا ! وبعبارة أدق، هو يستعيض بجرعات الدوبامين المتقطعة ذات الطبيعة الديناميكية للشعور الآني بالرضا عن الذات بدلا من تطوير آلية ستاتيكية للتعايش مع الذات برضا !
يبدو مثيرا للسخرية في بعض الأحيان حين يثني على بعض الآراء. وهي على أي حال لا تخرج عن كونها تكرارا ممجوجا لترهاته بلغة أتفه، أو إعادة إنتاج لها بعبارات أقوى، ففي الطلبة منافقون أغبياء وآخرون أذكياء (أذكى من الأستاذ النضوة) ! ويبدو أكثر غباء حين يقوم بعض الآراء المخالفة، علما بأنها تحمل منطقا وحجة أقوم وأرجح من منطقه وحجته (على افتراض أن ترهاته تعرف المنطق أو تحمل الحجة) ! هكذا يشعرنا أن رأيه يرفع الخلاف في الآراء ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح ! فهو مع الأسف يعتقد أن آراءه في الشأن العام كرأيه في مسألة ميكانيكا كلف الطلاب بحلها، أو كرأيه في معادلة تفاضلية يناقشها مع طلبته، أو كرأيه في قيد تجاري يشرحه في مساق القيود التجارية والسندات!
وعلى ذكر المنطق فإن منطقه لم يتجاوز المنطق الاستنباطي القديم! فهو لم يزل يمنطق الأمور على طريقة “كل مسلم شجاع، عقلة مسلم، إذن عقلة شجاع”! لم يدرك بعد أن “خلف” الذي لم نأت على ذكره قد يكون شجاعا بميزان المنطق الحديث، بينما “عقلة” جبان متخاذل!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مع احترامي للكاتب بس شو المطلوب ؟

    1. يبدوا أن الكاتب وقع في ذات الانتقادات والجوانب التي انتقدها عند حملة الدكتوراه .حملة الدكتوراه متوقع منهم الحديث في الشأن العام وهم يحملون أعلى درجة علمية في تخصصاتهم ومن غيرهم أكثر تأهيلا لتناول الأمور الهامة في المجتمع.في الدول المتقدمة يطلب من أعضاء هيئة التدريس في الخصصات المختلفة أن يبدوا أرائهم ومواقفهم المهنية من القضايا العامة لا بل فقد يكلفون رسميا من قبل رئيس الدولة أو رئيس الحكومة بذلك

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى