أرق يقض مضجعي
أرق يقض مضجعي و حالة من السكون تلف ليلي الذي طال كشتاء لا مطر فيه فقط ريح تغزوه ليل نهار. فثقل على أهل قرية نثروا البذور و انتظروا سقوط المطر .
لم يقطع ذلك الصمت سوى صوته يدندن بأغنية عفا عليها الزمن , نظرت من نافذتي انه هو راكبا دابته و الى حقله يمضي بعد أن عرَج على صاحب الفرن ليأخذ رغيفه في ذات الميعاد . اعتدت على هذا المنظر أعواما كثيره .
على الدابة يضع الخرج فيه زوادته و مقص الشجر و عبوات الماء يروي بها صغار الزرع , ينحني لها فيسقيها و يحدثها كأب غاب عن أطفاله عاماً ففاض حديثه شوقا و حنانا يرويها فأينعت معه أوراقها .
أقبلت الشمس بكبرياء الملوك فألقت سلامها عليه كما تفعل كل يوم . فسلام الشمس حق لهم و واجب عليها .
استدار حيث تجثوا عجوز الحقل شجرة الصنوبر التي بقيت من كل ما كان و جلس بجانبها كما يجلس لرفيقة دربه يناجيها بعينيه يحاول جاهدا أن يرى قمتها التي كان يستطيع رؤيتها منذ عقود و لكن هيهات فقد ذهبت قمتها في السماء و حملت معها بعض حكايات ما عاد يذكرها ينظر الى ما وصل اليه بصره منها فيستذكر ما كان قمح يموج ذات ربيع تداعبه الريح فتتمايل السنبلات كما الصبايا في عرس بنت المختار .
كان الصيف حكاية يصوغها سبعة أبناء يحصدون ذهب الأرض و هم ينشدون و يضحكون و ابنتان كما القمر تجلسان ترقبان من بعيد. ضحك الرجل و أنشد بما تحمله ذاكرته من تلك الأيام.
منجلي يا من جلاه . منجلي يا من جلاه
راح للصايغ جلاه . راح للصايغ جلاه
ما جلاه الا بعلبه . ما جلاه الا بعلبه
ريت هالعلبه عزاه . ريت هالعلبه عزاه
منجلي يا ابو رزه. منجلي يا ابو رزه
ويش جابك من غزه . ويش جابك من غزه
جابني حب البنات . جابني حب البنات
و البنات الغيانات . و البنات الغيانات.
أتعبه الغناء فما عاد في الصوت فسحة و ما عاد حوله من يرد غناءه . صمت و صمت معه حفيف الأشجار و سالت من مقلتيه دمعتان و استيقظ من ذكراه ركب دابته و في طريقه أشترى رغيفان
و حمل دمعتين في جفنيه على ما كان دخل البيت و وجد رفيقة دربه وقد مدت بساطها و جاءت بغربالها و نثرت قمحها . و اطلقت صوتها الذي بدا حبيساً بين حنجرتها و الشفتين …
يا مين يعاونا و يا مين يعينا
محمد يعاونا و إحمد يعينا
يا مين يرد الحمل لو صار مايل
محمد يرد الحمل لو صار مايل
و كأنها بما غنت تشكي هما يثقل أيامها