تجميل الديمقراطية الأمريكية بكحل الآخر / د.رياض ياسين

تجميل الديمقراطية الأمريكية بكحل الآخر
في العقدين الاخيرين اي منذ مطلع التسعينيات من القرن الأخير وحتى الأن يمكن القول بأن عدة مقولات فلسفية حاولت أن ترسخ ماهية العلاقة بين القوى المسيطرة على العالم، فانطلقت مع صعود أمريكا وانهيار الاتحاد السوفيتي مقولة النظام العالمي الجديد اي صعود العالم الليبرالي الرأسمالي الى الذروة وتهاوي الكتلة الشرقية والمعسكر الاشتراكي، واستمرت فكرة القطب الواحد وما يتبعها من انفراد في القوة والبطش ودفع الثقافة الغالبة وتصديرها للعالم بما تخللها من الحرب على الارهاب وما سمي محاربة القوة الجاهلة المعادية للحضارة الانسانية كما روجت لها الدعاية الامريكية والصهيونية، حتى إذا كانت نهاية العقد الاول من هذه الالفية وفشلت سياسة القطب الواحد في تجربتي العراق وافغانستان، بدأ اتجاه جديد يميل الى فكرة التصالح مع الاخرين وكانت صيحة ما سمي ب تقارب الثقافات في العام 2010 حسب اعلان الامم المتحدة، وتطورت الفكرة حتى ظهر ما يمكن اعتباره تحولا من خلال مقولة “تحالف الحضارات” بوصفها حركة دولية تشجع الحوار بين الحضارات والأديان لمحاربة الأفكار الجامدة والمواقف السلبية تجاه الشعوب كل ذلك سعيا لبلورة نموذج للتعايش السلمي والانسجامي لكل الناس للتخلص من الاثار السلبية للعولمة.

وفي سياق تجميل وجه العولمة “الامركة” الجديدة، والسعي للسطو على وعي العالم بالتاريخ تقدم الولايات المتحدة نفسها على أنها «الديموقراطية الأقدم والاكثر تقدما في العالم» متناسية مائة سنة من العبودية واكثر من 80 سنة في مسار الفصل العنصري، واستبعاد المرأة على مدى مايزيد على قرن ونصف من المشاركة السياسية من خلال منعها من الاقتراع، حتى ان البعض علق على خسارة هيلاري كلنتون اخيرا على اساس ان امريكا لم تعرف ساسة من النساء طيلة تاريخها في الكرسي الرئاسي .وعلى الضفة الأخرى من الاطلسي مارست دول اوروبا الغربية تحديدا اشكالا متنوعة من الاستبداد الحربي والاستعماري، وقمع الحريات، وتطبيق سياسة التفرقة العنصرية والطائفية في البلدان التي وطأتها.

وآل الخطاب اخيرا الى نقل الأزمة من نفس الدول الغربية والامريكية في محاولة الى اتهام الاسلام باعتباره يجافي ويناقض الديموقراطية والحرية والفردانية،وتظهر الصورة الهجينة عن الاسلام بصورة واضحة في الإعلام الغربي عموما،ويبدع الساسة الامريكان في ايجاد مستويات من الطبقات المتأسلمة مع التركيز على المنظومة المتدينة في الشرق عموما، فيعيدوا بذلك انتاج شكل جديد من الثقافي الاسلامي يستحليه العالم من خلال قولبته ووضعه على النقيض من الحداثة ،وبذلك يتأسس نهج جديد على طريقة الساسة البراغماتيين خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية …

ومن هنا فإن اسقاطات صفات الإرهاب والقمع والديكتاتورية والظلم والاضطهاد على الشرق، ومن ثم القول إن هذا الإسلام يشكل النقيض التام لليبرالية في الدول الغربية، يجعل من البديهي التفكير بان المراد هو تحويل الانظار الى صراع ديني باعتبار ان المسيحية هي مثال حيّ للحضارة والديموقراطية والحرية والدفاع عن حقوق المرأة والحريات الجنسية وهي متموضعة تماما في الغرب.

مع الانتخابات الاخيرة في امريكا اصابت نكسة جديدة دعاة التبشير الليبراليين،وبات العالم كله قلقا من صعود اليمين وانكفاء التحرر والاستبداد والجدران المقيدة التي يتخوف الكل من عودتها مع ترامب(فكرة الجدران مع المكسيك مثلا).

تكمن فكرة التحول من الاستشراق الأوروبي إلى الدراسات الأميركية حول الشرق الأوسط، في الإمعان من جديد في ابتكار صورة أكثر تنميطا عن المجتمعات المسلمة والمتأسلمة. وكثيرا ما خلصت مراكز البحث والدراسات الى ان الاسلام لايعترف بالديمقراطية والحرية وربما استثنى نموذجا واحدا من بلدان الشرق الاوسط وهي تركيا العلمانية زمن اتاتورك، حسب مؤسسة (فريدوم هاوس) في العام 1984. وعندما تتحدث مراكز الدراسات الامريكية عن الحرية والديموقراطية فإنها تقفز على مكونات المجتمعات العربية والشرق اوسطية وكأن المطلوب هو نسخ النموذج للدولة النيوليبرالية في الغرب وشكلها المتطور في الولايات المتحدة الامريكية نفسها. كما ان مقولات صموئيل هنتنغتون القائمة على فكرة الصدام بين الاسلام والديمقراطية وإعاقة بناء دولة حديثة قادرة على اللحاق بالنماذج الديمقراطية المتطورة يكمن في إشكالية أسلمة المجتمعات العربية والشرقية اكثر من فكرة أن النموذج الغربي السادي لا يصلح الا في سياق الغرب الثقافي والجيوسياسي الراهن.
rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى