
طير وفرقع يا بوشار
ونحن صغار كان يثير فضولنا دوما ويطرح العديد من التساؤلات وعلامات الإستفهام التي تخاطب ادمغتنا الصغيرة لتحثها على القيام بعمليات عقلية وتفكيرية عليا مشروع صغير وبسيط تدور تفاصيله في مطبخ العائلة المتواضع الا وهو مشروع عمل البوشار البيتي
فما ان نضع قطرات الزيت في الطنجرة وفوقها حبات الذرة الذهبية اللون ، حتى تبدأ بحماس شديد عمليات المراقبة الحثيثة وطرطقة الأذنين لزيادة حدة السمع بإنتظار اول صوت فرقعة لحبات الذرة وفي داخلنا فضول هائل عما يحدث داخل الطنجرة ، وبما ان مجرد التفكير في فتح الطنجرة وهي على النار كان من الممنوعات التي سوف تعرضنا لغضب الكبار لحرصهم على سلامتنا ، كان يكفي ان نتمنى ان تكون هذه الجدران المعدنية التي تحيط بحبات الذرة المشاغبة شفافة لنتمكن من رؤية ما يحدث في الداخل وكيفية طيران هذه الحبات الصغيرة القاسية ومن ثم تحولها الى حبات بوشار منفوخة وهشة ولذيذة الطعم ..
ومع البدء بتذوق هذه الحبات وسرعة إلتهامها بفرح الطفولة وبراءته يتلاشى تدريجيا الفضول الذي رافق اعدادها
إعلاميا وإجتماعيا وعلى مواقع التواصل الإلكترونية حالنا اشبه بحالات حبات الذرة التي تطير وتفرقع وتنتفخ وهي محبوسة داخل الطنجرة فما ان نسمع عن حدث او خبر جديد بغض النظر عن اهميته او عدمها لا نتوانى لحظة على ان نشعل النار تحته لتبدأ مفرقعات الآراء والتعليقات والتحليلات على الحدث بالطيران في كل الإتجاهات ، فهذا يشتم وذاك يسب وآخر يصدر احكاما عشوائية على طريقته الخاصة التي قد لا تتعدى ان تكون مجرد فرقعة يراد بها باطل ليبقى مفرقعها تحت الأضواء حاملا راية انا موجود غير عابئ إن اغتال في طريق نجوميته هذه شخوصا او وطن …
البعض فقط مما رحم ربي ينظر الى الخبر او الحدث بعقلانية وموضوعية ودون تسرع في اصدار الأحكام وهم قلة قد تؤثر غالبا عدم المشاركة في زوبعة البوشار المنفوخ بالهواء هذه …
والطريف في هذه الزوبعة انها لا تأخذ وقتا طويلا فهي لا تلبث ان تهدأ بعد فترة وجيزة ، لتعود من جديد مع حدث وخبر جديد تعزف لحنها المفضل طير وفرقع يا بوشار ، ولكن المحزن ان كل هذه الفرقعة لكل جديد تبقى فقط مجرد صوت وهواء لا يتعدى غطاء الطنجرة دون ان يكون لها اي تأثير يذكر
ويبقى السؤال الطفولي … ماذا يحدث داخل الطنجرة ؟
سهى عبد الهادي
