الذاكرة المثقوبة / جروان المعاني

الذاكرة المثقوبة

العاطفة والتاريخ ذاكرتهما مثقوبة ودليل ذلك ما نحن فيه من هرج ومرج حول كل القضايا الجوهرية التي نعيش، ولا ارى ما يجمعنا سوى قبولنا بالذل والخنوع والتملق (لسنتكوم) القيادة العسكرية الاميركية للشرق الاوسط والتي تنفذ سياسات واشنطن ورأس المال الغربي المتحكم في كل قراراتنا حيث لصندوق النقد الدولي وحده اقرار بناء مدرسة هنا او مستشفى هناك، وحيث تندرج كلها تحت مسمى ترشيد الاستهلاك العام .
في العشر سنوات الماضية تضاعف عدد سكان الاردن بفعل ما حولنا من كوارث وهذا يعني انه يجب مضاعفة اعداد المدارس والمستشفيات وغيرها من الخدمات، لذا تضج مدن المملكة من المعاناة، ويزداد المتبطلين الجهلة وتنتشر الجريمة بشكل ملحوظ بفعل سياسات ازدراء الشعوب وعقولها، ومما يزيد الطين بلة ضعف المشرعين والمراقبين لاداء الحكومات، وليس ادل على ذلك من قيام صاحب اعلى اصوات في المملكة وتحت القسم بتبرئة الحكومة ووزرائها من شبهات الفساد، ثم قيامه بحجب الثقة عنها ..!!
لعل الشغب الذي جرى ويجري في جامعاتنا لاسباب واهنة تدفعنا للتريث قليلا والتفكير باعادة رسم الطريق امام الجيل القادم، خصوصا ان ذاكرتنا وعواطفنا فعلا مثقوبة اسقطنا منها كل قيمنا واخلاقياتنا وصار الفقر وسيلتنا المثلى لتبرير كل هذا التردي .
مضحك مبكي هو المشهد العام ومؤلم هذا التمادي في ازدراء العقول والاديان وثقافتنا الموروثة وعدم قبولنا للرأي الآخر او القدرة على الحوار، وهو امر تعود مسؤوليته على وسائل الاعلام ومكونات التعليم والمساجد والكنائس، وكلها تدار من قبل الدولة التي لا شأن لها او هم سوى تجفيف ما في جيب المواطن واغراقه في الديون والهموم والهائه عن القضايا العامة بلقمة الخبز .
كل ما قيل قضايا مكررة ويدريه الصغير والكبير، ولعل كل ذلك يراد منه السكوت على ابتلاع إسرائيل للأرض وتلاشى فكرة الدولتين في موضوع فلسطين، وبالتالي الرجوع الى المربع الاول في اتفاقية كامب ديفد، فتكون غزة مصرية، وما تبقى من الضفة الاخرى لنهر الاردن جزء من الاردن والعودة لفكرة الوطن البديل ونسيان ارض فلسطين التاريخية .
ادري ان بعض القراء سينتفض وسيحتج على الربط بين اجزاء المقال، لكني ساعود لفكرة ان العاطفة والتاريخ ذاكرتهما مثقوبة.
ان الواقع المرير الذي نعيش يجعلنا نذهب للجزئيات فتقوم الدنيا وتقعد من اجل ورقة مكتوب عليها (ملوخية) في حين لا نحرك ساكنا على ورقة بعنا فيها العبدلي وطوبنا شركات توريد الكهرباء بغير اسماءنا، وننسى الباقورة ونرفع الصوت مهللين لاحتراق اشجار اجدادنا بفلسطين والادعاء ان الله يعاقب الكيان الصهيوني المغتصب لانه منع الاذان في القدس ناسين ان القدس كلها ليست لنا بحسب الاوراق المكتوبة والموقعة رسميا.
في مثل هذا اليوم قبل ما يزيد على 750عام سقطت اشبيلية احد اهم حواضر الاندلس وبعد 600عام تقريبا اخترع اديسون الفونوغراف(الة اعادة الصوت) اي ذاكرة صناعية، وفي الغد تصادف ذكرى صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بعد حرب 1967م، وقد نص القرار على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها بما فيها القدس .
هنا تتضح انه لا ذاكرة لنا وان عاطفتنا مشروخة واننا اشباح نمشي على الارض بين قاتل وقتيل، فيا ربي سلم .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى