أحزاب تبحث عن دور في مدينة الثقافة

عمان – إبراهيم السواعير – تَداوُلُ الملتقى الوطني في مادبا، بأحزابه اليسارية والقومية وشخصياته الوطنية وهيئاته المدنية ونقاباته وأنديته، للفعل الثقافي نظرياً اليوم، في اجتماع يدعو إليه، يعطي صورةً مهمّةً عن حراك شامل تنتظره مدينة الثقافة الأردنية، من جهة، واستعداد هذه المدينة الفطري، الذي يمتزج فيه الثقافي بالسياسي، من جهةٍ أخرى، لقبول هذا الحراك.
العتب الذي يحمله الملتقى على لجنة مدينة الثقافة العليا لخلوّها من تمثيل ما لهذه الأحزاب، تحديداً، يغيّر الصورة النمطية في أنّ الأحزاب تكاد تكون غير معنية بالبرنامج الثقافي في ظل سيطرة السياسي، وهو عتب، كما رأى الإتلاف القومي واليساري، ليس للوجاهة، وإنما للفعل الثقافي الجاد، على هيئة برنامج يتمخض عن اجتماع اليوم، وصفه عضو مكتب الحزب الشيوعي الأردني محمد مشرف الفقها، بالبرنامج المحب لمادبا المحتفل بتتويجها مدينة للثقافة الأردنية 2012.
تصوّر فكري ثقافي واقعي تقترحه أحزاب ستّة يتم تطبيقه خلال عام الثقافة، يؤيّد ما تذهب إليه هذه الأحزاب من أنّها تنشد التشاركية في الفعل الثقافي مع الهيئات الثقافية والقطاع الثقافي المستقل، مبررةً وجودها في (عليا مدينة الثقافة)، كما قال الفقها، بتأكيد أنها تحمل برنامجها الثقافي، حتى قبل عام الثقافة في مادبا، وأنها ظلّت تتواصل مع مديرية ثقافة مادبا- على الرغم من شح إمكانات الأخيرة- وكانت حاضرةً في الفاعليات الثقافية ومواكبةً لها، بل كانت نفسها تجترح ندوات ومحاضرات ثقافية، على أكثر من صعيد، تستلهم منها (السياسي) الذي يتغلف بالفكري الثقافي، فلا ينفك عنه.
البدايات المبكرة للحركة الثقافية في مادبا، وتوحّد الثقافي بالسياسي، كما رأى الفقها، يؤكّد خصوصية هذه المدينة التي تحتفظ سجلات مدرسة اللاتين فيها عام 1917، بخمس وسبعين طالبة، وهي المدرسة التي تأسست عام 1882، لينخرط شباب مثقف مبدع في مادبا بالعمل السياسي الحزبي- في أوج الشعور بخطر الأحزاب على مستوى الدولة- أمثال غالب هلسا وسالم النحاس وسعود قبيلات، ولكلٍ من هؤلاء إبداعات أدبية لم تمنعهم من الإيمان بجدوى السياسة التي لا بدّ تتخللها الثقافة أو تنبنى عليها أو تكون مكوّناً من جملة المكوّنات.
إيمان هذه الأحزاب والأندية والهيئات بالعمل الثقافي ليس معناه، كما رأى الفقها، أنها ضيّقة الأفق، فهي تدرك أن أسس تشكيل لجنة المدينة العليا ربّما تكون خاصّة بتعاليم مشروع مدن الثقافة، لكنّ ممثلاً واحداً كان يكفي على سبيل المثال للإشارة إلى إخلاص هذه الأحزاب والأندية والهيئات للفعل الثقافي، فكان تداركاً طيباً بتقديمها برنامجاً ثقافيّاً تشارك به يخدم مدينة الثقافة.
أيّهما يخدم الآخر: الثقافة أم السياسة؟!.. بل أيّهما يكون بوصلةً للآخر؟!..مسألة كانت تداولتها رابطة الكتاب الأردنيين في مساجلات مرشحيها للرئاسة، وما تزال إشكاليّةً، بالرغم من كلّ هذا المحيط، وفي حالتنا هذه، فإنّ الحزب الشيوعي في مادبا، كما قال الفقها، كانت له نشاطات أدبية في القصة والشعر واستلهام رسالة الأفلام وغيرها، وكانت له نشاطات في الندوات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل إنّ مهرجان وزارة الثقافة (القراءة للجميع) شهد إقبالاً مثقفاً حزبياً، وهو انعكاس لاختمار الفعل الثقافي لهذه الأحزاب ونقابات وأندية المدينة.
هل من خشية على الفعل الثقافي أن تتم أدلجته؟!.. إذا ما طوّعت كلّ مكتسبات مدينة الثقافة لبرامج الأحزاب الثقافية، فيتضاءل دور القطاع المثقف المستقل والهيئات الثقافية العاملة للثقافة، على إخلاص العمل؟!.. سؤالٌ يقابله الخوف على سيطرة الأنموذج الوحيد في الثقافة (التقليدي) إذا لم تشارك برامج توازن، فلا تجعل الكفّة تميل كلّ الميل. يسير الفقها في فترات ما قبل الحريات في الأردن وتواري الأحزاب في ظلّ التيار الوحيد التاريخي، ويشرح متناقضات المعسكرين ومغبّة هشاشة البرنامج الثقافي للحزب، بل السياسي، في تأكيده أهمية (المشاركة) الوطنية، على أكثر من صعيد، منها الصعيد الثقافي في مدينة تحتفل بلقب مدينة الثقافة الأردنية هذا العام.
ومع أنّ اجتماع الملتقى الوطني ليس احتجاجاً بكلّ معنى الكلمة على (عليا) مدينة الثقافة بقدر ما هو محاولة للإسهام في فعل العام الثقافي، فإنّ تفهّماً يبديه عضو هذه اللجنة العليا رئيس رابطة الكتاب الأردنيين السابق سعود قبيلات للهفة الجميع للمشاركة وخدمة مدينة الثقافة، مفترضاً أن اللجنة العليا إنما تضمّ من لهم علاقة بالموضوع الثقافي، لا الطابع التمثيلي من أيّ نوعٍ كان، مدللاً بأنّ هذا الأمر هو من الأمور المتخصصة لا المفتوحة، وأنّ الجميع بما فيه النقابات والأحزاب يمتلكون ما هو مهم جداً، وهو الرقابة على عمل اللجنة ومتابعة الأعمال في حال النجاح أو الإخفاق، على لجنة إن زاد عدد أعضائها كثرت عليها الأعباء.
ليست اللجنة العليا إلا مباركةً للفعل الثقافي، ترسم سياسته خلال العام، وتفتح المجال أمام الجميع للمشاركة، والأولى، كما يرى قبيلات الأديب السياسي، أن يسعى الجميع لإنجاح الاحتفالية المهمة على الصعيد الثقافي، وهو الجميع الذي يمكن أن يشارك ويسهم بفاعلياته وبرامجه الثقافية ويقدّم اقتراحاته، وقد يكون لهذا الجميع الحق في أن يكون عضواً في لجنة المدينة العليا، التي مهما زاد عدد أعضائها إلا أنها تظل محدودةً، فلا يمكن أن تستوعب هذا الجميع.
التعامل مع لجنة مدينة الثقافة العليا لجنةً تمثيلية يفشلها سريعاً، كما يرى قبيلات، فهي تطوعيّة، يجمع أعضاءها نداء الواجب، وهي اللجنة التي قد لا يفطن المراقبون إلى ما تحققه من نجاح، بل يحاسبونها على ما يمكن أن تقع فيه من الأخطاء، في توجهاتها العامة وعدم اشتغال أعضائها في أيٍّ من اللجان الفرعية التي هي ذات تماس مباشر مع الفعل الثقافي المنظم والمستجد طوال عام الثقافة.
(الاستبعاد) غير وارد على الإطلاق في سياسة اللجنة العليا، والاقتراح الجيد هو الذي يفرض نفسه لقبوله مشروعاً أو نشاطاً في مدينة الثقافة، فكما يرى قبيلات، فإنّ من حق المعترض أن يرفع صوته، فيتظلّم أو يحتج خلال الاحتفالية، التي يرجو لها قبيلات أن تنطلق، فلم تعقد سوى اجتماعين، غلفهما الإرباك وضغوطات التمثيل، مع أنها لجنة مختارة وليست منتخبة، وتقع داخل دائرة الاجتهاد، الذي يمكن أن يصيب أو يخطئ عند المحك الفعلي، وهو السير في المشروع.
ثقل الأحزاب مؤثر في مادبا أصلاً؛ فهي صاحبة برامج واثقة، كما يرى مدير ثقافة مادبا عوني أبو جريبان، بل هي في تنظيم أعمالها ومتابعة نتائجها وخبراتها، أقوى من الهيئات الثقافية في مادبا، وهي الهيئات التي تأسس معظمها قبل عام باستثناء هيئة أو هيئتين. أما الخصوصية الحزبية في مادبا فناشئة عن عوامل، من أهمها التعليم المبكر والانفتاح على المحيط الثقافي والسياسي والوعي؛ فبذلك، كما يرى، تكون جزءاً أصيلاً من العمل الثقافي في المدينة قبل وخلال وبعد عام الثقافة.
ثنائية (من يحمل من: السياسة أم الثقافة؟!) كانت حملتها المناظرة الانتخابية التي جرت في رابطة الكتاب الأردنيين، بين مرشحي أكبر تيارين في تاريخها: د.أحمد ماضي مرشح تيار التجمع الثقافي الديمقراطي، ود.موفق محادين مرشح تيار القدس،.. وجلبت نقاطاً كثيرةً يمكن التأشير عليها، والاستفادة منها ليس بصفة الحماسة لهذا التيار أو ذاك، بل لصالح الرابطة في مواضيع يحسبها المراقب المحايد المثقف مهمّةً على أكثر من صعيد.
موضوعيّة المناظرة، التي كانت جاوزت بيانات التيار المرشّح التي تحبكها أمانته العامة كل دورة وتُتلى على أسماع مؤيديه بحضور مقصود للتيار المنافس في أسئلة استفزازية أو موحاة،..كانت مواجهةً حقيقيةً بين أستاذين في الفلسفة زاملا نجاحات الرابطة أو إخفاقها، والاستبشار بمعاودتها الحياة بعد ديمقراطية 1989، التي كستها ثوباً سياسياً كانت خيوطه تنسج من قبل، (بحسب مراقبين)،.. قبل إغلاقها، حين كانت تُدار من عواصم سياسية أدّت إلى حسابات التخوف الحكومي، كما قال أعضاؤها السابقون(هاني العمد)، واستبدالها باتحاد يحمل اسم (اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين)، ما يزال موجوداً، وربما يعاني هو الآخر من هموم وجوده.
المناظرة، التي نجحت وبالرغم من محاور فيها لا تخلو من عمومية تحتاج جلسات، كانت مناظرةً تصلح لأن تشكل بيئةً خصيبةً للتأرجح بين المفهومين: (تسييس الثقافة) و (تثقيف السياسة)، وهما مهمان: أكّد أحمد ماضي أن الثقافة تقود السياسة أو هي (حصانها)، كما قال، وهي بوصلتها، والسياسة جزءٌ من كل، جزء من الثقافة المتسمة بالطابع الشمولي.
فما الذي يؤثر في الآخر؛ بل يحمله زيادةً أو سلباً في المسار؟!..، وإذا صحّ ذلك، فما المدى الذي يزيد من موثوقيّة الثقافة، بمعنى ما الذي يضمن المسار الثقافي في (مثاليته) لتحتكم إليه السياسة؟!.. هل هو الذوق الثقافي العام(الجمهور، بخبرته المتواضعة أو المريحة أو الكاشفة)، أم الذوق الثقافي للكتاب(بتباين الطروحات أو اتفاقها أو بالفجوة بين الكاتب وجمهوره الذي ينبض عنه).. ثمّ من يصنع الثقافة(المؤسسات التربوية، أم الإبداعية «بشطحاتها أو لا استنادها في الأعم الأغلب إلى مرجع أو إطار»؟!)… ثمّ هل الثقافة على سلّم أجندة الدولة، أصلاً، قبل الحديث عن قيادتها نظرياً للثقافة؟!..
إذا كان الفيلسوف يتقاطع (يلتقي) مع المبدع في الدعوة إلى المبدأ (الحريّة، عموماً)_ مع أنّ مبدعين كثيرين يدعون إلى اللاشيء، أو لا يدعون إلى شيء، إلا إذا عددنا التنعم بجمال الطبيعة، مثلاً، مسوغاً لهذه الدعوة!.. إذا كان كذلك، ومع أن الفلاسفة قد يضفون على الأدب إبداعاً معرفياً يتوشى بالأدب أو أن المبدع يتجرأ أو يتطاول على الفلسفة(العلم) فيمسخها، على حدّ تعبير أكاديمي فيلسوف- إذا كان ذلك وأكثر، فإنّ المناظرة، التي نستذكرها اليوم، كانت كشفت عن أنّ لا اختلافاً حين ننعم النظر بين د.ماضي الذي رأى أنّ (كتباً غير مستحقة النشر) غصت بها الساحة الثقافية وكانت سبباً لقبول أصحابها أعضاءً في رابطة الكتاب،.. لا اختلاف بينه وبين د.محادين الذي رأى هيغل الفيلسوف وروسو الفيلسوف ومثلهم الكثير، وكل هاتيك التنظيرات.

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى