(نَظَراً ) في قرار الهيئة المستقلة للإنتخاب بتحديد يوم الإقتراع

#سواليف

(نَظَراً ) في قرار الهيئة المستقلة للإنتخاب بتحديد يوم الإقتراع

المحامي #محمد_احمد_المجالي

في جلسة مصغّرة مع أصدقاء من الزملاء #المحامين قرأ علينا أحدهم قرار #الهيئة_المستقلة_للإنتخاب المتضمن تحديد يوم 2024/9/10 موعداً للإقتراع لانتخاب #مجلس_النواب العشرين، وكان الحديث قبل ذلك حول قرارات الهيئة باعتبار عددٍ من #الأحزاب_السياسية منحلّة لعدم توفيق أوضاعها وأسانيد ذلك في قانون الأحزاب وما تلا تلك القرارات من طعون أمام القضاء الإداري والتي انتهت جميعها بردّ الطعون، وكان خلافنا مع قرارات الحلّ والأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية والمحكمة الإدارية العليا مع الاحترام يكمُن في كيفية فهم #النصوص_القانونية وسياقاتها ودلالاتها من حيث القانون واللغة.
لقد كنت في تلك الجلسة من أكثر المتشددين في مسألة وجوب التأني والحرص عند وضع التشريعات القانونية ليس من حيث الصياغة القانونية وأصولها فقط ولكن أيضاً من حيث سلامة اللغة ودلالات التركيب اللغوي واختيار الألفاظ، وفي هذا السياق سُقت عدداً من الشواهد على أخطاء في التشريعات أو في سلامة فهم الإدارات الرسمية أو بعض الجهات القضائية للنصوص ودلالاتها القانونية أو اللغوية.

وبعد حوار حول الأبعاد الدستورية والقانونية لقرار الهيئة المستقلة المذكور أعلاه سألني أحد الزملاء مازحاً ومستفزّاً عن رأيي في القرار من حيث الصياغة القانونية واللغوية، فأجبته أنني لو كنت مكان من صاغ القرار لأعدت تركيب القرار بشكل جذري بحيث يبدأ كالتالي: سنداً لاحكام المادة كذا من قانون الانتخاب والمادة كذا من قانون الهيئة المستقلة للإنتخاب وبناءًا على صدور الإرادة الملكية السامية يوم كذا والمتضمنة الأمر بإجراء الانتخاب لمجلس النواب فقد قرر مجلس مفوضي الهيئة المستقلة كذا إلخ… لأن الأصل أن يبدأ مصدر القرار بالسند القانوني الخاص به لإصدار القرار ثم بيان أسبابه ومبرراته أي يبدأ بالأقرب ثم الأبعد من الأسانيد أو المبررات والأسباب.
أما من حيث لغة القرار المكوَّن من ستة أسطر ونصف السطر فهي لغة سليمة من حيث الظاهر العام نحواً وصرفاً، ولكن لغتنا العربية ليست مجرد نحو وصرف بل إن تميُّزَها عن غيرها وهي لغة القرآن العظيم يكمُن في البيان وأحد أهم أوجه البيان هو حسن اختيار المفردات التي وإن كان بعضها يتفق معاً في ظاهر المعنى إلا أنها تختلف في دلالة كلٍ منها، فالكلمات ( جاءَ وحضرَ وأَتى وقدِمَ ووافى ) قد تبدو في ظاهرها ذات معنى واحد إلا أنّ لكلٍ منها معنى أو دلالة خاصّة ولا ترادف بينها وكلٌّ منها يُستخدم في سياق دلالي يختلف عن الآخر، وكذلك الحال في الكلمة الأولى من الجملة الأولى من قرار الهيئة وهي ( نظراً لصدور الإرادة الملكية السامية )، أي أن القرار صدر نظراً لصدور الإرادة الملكية و(نَظَراً) هذه مشتقة من النَظَر والفعل نَظَرَ، والتناظُر هو مِن المقابلة والمواجهة بين شخصين أو أكثر وهذا يقتضي المساواة بينهم وعدم الإلزام بخضوع طرف لطرف آخر وعدم التراتبية بين المتناظرين، وبالتالي فاستخدام كلمة (نَظراً) ليس هو الاستخدام الصحيح أو الأنسب للتعبير السليم في صدر القرار لأن القرار ليس مناظراً للإرادة الملكية في المركز القانوني والدستوري ولا يصدر بمنأى عنها بل يخضع لصدورها ويكون بعدها في التراتبية وهذا كله مقصود ومحدد في نص المادة (12/ب) من قانون الهيئة المستقلة للإنتخاب التي حددت إحدى مهام مجلس المفوضين بالقول: (تحديد تاريخ الاقتراع بعد إصدار الملك أمره بإجراء الانتخابات لمجلس النواب) وفي قانون الإنتخاب نص مشابهٌ لهذا النص ومقتضياته، وبالتالي فكان الأصح والأنسب من حيث الصياغة القانونية واللغوية استخدام كلمة أُخرى تتضمن الدلالات المقصودة في النص القانوني وهي المرجعية والإلزام والتراتبية، ومن وجهة نظري فإن الكلمة التي تحقق هذه الدلالات الثلاثة هي كلمة (بِناءًا) لأن القرار يأتي مبنياً على الإرادة الملكية ويخضع لها ويكون صدوره إلزامياً لصدورها وفق الأسانيد القانونية.
وأخيراً فإن هذه المقالة ليس المقصود منها تصيد كلمة في قرار يؤدي غرضه القانوني بالنتيجة ولا يُخلّ بقيمته وآثاره القانونية بلّ هو مثال على ضرورة الإهتمام بتجويد صياغة التشريعات والقرارات من حيث القانون واللغة حتى لا تكون موضعاً للُّبس أو خطأ في التفسير والتطبيق والتنفيذ في مواضع مهمة أُخرى، وكذلك فإن هذا المثال يبيّن مدى عظمة لغتنا العربية وجمالها وسعتها ودقتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى