نعم! “جرائم الشرف” ظاهرة اجتماعية

نعم! “جرائم الشرف” ظاهرة اجتماعية
ذوقان عبيدات*

يدور جدل واسع حول الحدث المسمى بجريمة الشرف، فمنّا من اعتقد أنه حادث فردي لا يستحق كل ردود الفعل، ومنّا من يعتقد أننا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة!! إن من قللوا من شأن “ما حدث” وقالوا إنه فردي يعبرون شعوريًا أو لا شعوريّا عن موقف له أصوله القيمية والأخلاقية، ويتمنون ظاهرًا لو لم يحدث هذا، بينما الطرف الآخر يريدون فتح الملف على أوسع الأبواب باعتبار “ما حدث” ظاهرة:

تعكس موقفاً سلبيًا من قضايا المرأة بدءًا بعملها، وتعليمها، ودورها، ومكانتها.
تعكس قيمًا مجتمعية وعادات وتقاليد، تخلصت منها شعوب العالم، بينما تزدهر هذه القيم في مجتمعاتنا.
تعكس ادعاءً بالحرص الأخلاقي على أمن المجتمع والدفاع الاجتماعي المشروع.
فهل “ما حدث” ظاهرة عملية فردية معزولة أم ظاهرة مجتمعية لها أنصارها ومؤيدوها؟
من هم هؤلاء الأنصار المؤيدون؟
لا أحد يجاهر بالدفاع عن ذلك الحدث، ولكن كثيرين جدًا وقد يشكلون أغلبية مجتمعية تربط بين الأخلاق والجريمة والشرف المرتبط بالمرأة، أو بين الدين والشرف، فمن هم هؤلاء؟
إنهم مجموعة من حملة الفكر الماضوي الذين رفعوا صفة الأنسنة عن حياتنا، وأدخلوا الميتافيزيا والتخيلات إلى الفيزياء، وطالبوا بتطبيق عقوبات الميتافيزيا المتوهمة في مخيلاتهم.
إنهم المحافظون التقليديون الذين توقفوا عند المفهوم السائد للشرف وارتباطه بالمرأة.
إنهم الذكوريون الذين يرون سيادة الفكر الذكوري على العاطفة الأنثوية أو الانحراف الأنثوي.
إنهم الذكور الذين يعتزون بالمرأة كتابع ويقولون إنها أخت الرجل، وزوجة الرجل، وبنت الرجل…إلخ.
وبذلك ينفون عنها صفة الكائن الحي المستقل والقائم بذاته كأي رجل أو شجرة أو دُبِّ!!
إنهم من يعتقدون أن الأخلاق هي ما يقررونه فقط، فهو شرف المرأة وليس شرف كل شخص أو شرف الوطن؛ فالخيانة، والسرقة، والغش، والكذب، والعدوان ليست من الأخلاق في شيء. وإن عدم القيام بالواجب وعدم الإحساس بالمسؤولية ليس أخلاقًا يجدر الدفاع عنها!!
وأخيرًا، إنهم أولئك الذين يريدون منّا أن نبقى في الحضانة ومرحلة ما قبل روضة الحضارة.
لماذا تقتل المرأة شرفًا
ويحمى الفاسدون؟
إن التأييد الواسع لمرتكبي جريمة الشرف يعكس أننا أمام ظاهرة وليس حدثًا فرديّا!! وإلّا لماذا يقف المشرعون ضد تعديل القوانين؟ ولماذا يذهب المتظاهرون إلى مجلس الأمة؟! بل لماذا يمتنع الدستور عن إلغاء التمييز القائم على الجنس؟ ولماذا تقف الدولة ضد أبناء الأردنيات؟ ولماذا لا تضع حدًا لكل هذا الخلط وترفع اسم الشرف عن الجريمة والنظر إليها كجريمة نكراء فحسب؟
لماذا ما يزال التشريع يذكر أنها جريمة شرف؟ أو بدافع الشرف؟
إن مشكلات المجتمع الأردني هي:
الفساد المالي والإداري.
عدم تكافؤ الفرص بين المواطنين، وخاصة في فرص التعلّم والعمل.
الإهمال والتقاعس عن المسؤولية.
غياب المواطنة بل والهوية.
ضعف الحكومة في التصدي للإرهاب الفكري.
انعدام بعض مظاهر الحرية.
إن الأخلاق الحقيقية وهي: الأمانة، المسؤولية، الواجب، خدمة الوطن، حب الوطن، المطالبة بالحقوق، رفض انتهاك أي حق لأي فرد أو فئة، هذه هي الأخلاق الحقيقية، فالأخلاق هي هذه وليست كما يدعون أنها في جريمة الشرف!
ما الظاهرة الاجتماعية؟
تعرف الظاهرة بأنها سلوك يمارسه بعض الأفراد عادة، أو سلوك يتعرض له بعض الأفراد ويتعرضون لأذى أو نفع منه، فالزواج ظاهرة اجتماعية إيجابية، والثأر ظاهرة اجتماعية، وكذلك العنف، وشغب الملاعب، والاحتفالات…إلخ، جميعها ظواهر اجتماعية، فكل ظاهرة لها دافع يحركها، وحافز يدعو لها، وسلوك يرتبط بها، فجريمة الشرف لها دافع هو غسل ما يسمّى بالعار، ولها حافز هو الفخر بالتخلص من العار والإحساس بالمتعة والفرح، ولها سلوك هو القتل! وهكذا، هذه العمليات تحدث مع كل ظاهرة، ومن العلماء البارزين إميل دوركهايم الذي أوضح أن الظاهرة تحمل في طياتها قهرًا أو إقصاءً لمن تمارس عليه.
والظاهرة ليست من صناعة الفرد، إنها موجودة قبل أي فرد وتبقى بعد أي فرد، كما أنها شيء ينفصل عن الأفراد، فالظاهرة تتصف بأنها إنسانية واجتماعية ومادية، بمعنى أنها شيء مستقل تنفيذًا لسلوك قرره المجتمع أو أقرّه المجتمع.
وهذه الظاهرة يمارسها الأفراد سواء كانوا مقتنعين بالسلوك أم لا، ففي جريمة الشرف ليس من الضروري أن يكون المجرم مقتنعًا بما يفعل، تمامًا كالزواج، ليس من الضروري أن يكون المتزوج مقتنعًا بالزواج، لكنه مضطر له بسبب قناعات اجتماعية.
وهنا نعود إلى الظاهرة الحالية -جريمة الشرف- هل هي عامة كالزواج؟ بالطبع لا. وهل يمارسها الأفراد جميعهم؟ وهل هي منتشرة كظاهرة الزواج؟ أيضًا الجواب لا! لكن ما يحدّد الظاهرة هل هو عدد ممارسيها؟ طبعاً لا.
الظاهرة الاجتماعية هي سلوك يمارسه عدد كبير من الأفراد أو يدعمه ويقبله ويشجعه عدد كبير من الأفراد وخلفه قيم مشروعة عند كثيرين، وهنا نسأل: هل جرائم الشرف منعزلة اجتماعيًا أم مقبولة ومدعومة؟
إن جرائم الشرف هي ظاهرة أردنية أو عربية عامة جدًا لأنها:
مدعومة من قيم أردنية عديدة مثل: غسل العار، والتنافخ بالشرف، وإظهار سلوك “نشموي” لا يقبل الإهانة، ويتسم بالتفاخر، والذكورية.
مدعومة من المشرعين؛ حيث ترفض غالبيتهم إدانة الجريمة قانونيًا، ويسعون بكل قوة إلى تبريرها.
مدعومة من رجال الإصلاح وقادة المجتمع الأخلاقيين الذين يحرسون الفضيلة ويدافعون عنها تنفيذًا لفهم خاطئ للأخلاق.
مدعومة من الفهم الخاطئ للدين أو ما يسمى التدين الذي يرى مفهومًا للفضيلة يرتبط بشرف البنت.
وأخيرًا مدعومة من أحزاب عديدة وسطية أو غير وسطية.
إذن، هناك قطاع عريض يدعم جريمة الشرف، ولولا هذا الدعم لتوقفت الجريمة قانونيّا على الأقل!
تبريرات
قلنا إن من يؤيد جرائم الشرف قد لا يعلن ذلك صراحة، ولذلك من متابعة ما يجري في الأردن يمكن حصر الظواهر الآتية:

تبرير الجريمة بالهتافات التي برزت أمام البرلمان حيث استغلت لإظهار أعداء جريمة الشرف كأنهم خارجون عن قيم المجتمع وثوابته، فهم لا يعترفون بالسلطة الأبوية أو السلطة الذكورية، طبعًا لا أدافع عن أحد، لكن الهتافات كانت ضد سوء استخدام هذه السلطة، مهما كانت أبوية أو حكومية أو تشريعية أو حتى نسائية!!
تبرير الجريمة لأن المعترضين هم جمعيات مجتمع مدني تلقى الدعم والمساندة المالية من جهات خارجية، ناسين أن بعض رواتبنا وأموالنا من المساندة الخارجية، وأن المال ليس سيئ المصدر بل سيئ الإنفاق!! أو سيئ الأغراض!!
تبرير الجريمة، لأن المعترضين حملوا شعارات باللغة الأجنبية، وكأنهم يستقوون بالخارج، وفي هذا تجاهل لدور الإعلام الأجنبي أو الخارجي في دعم القضايا المحلية.
وفي الخلاصة، فإن جريمة الشرف ظاهرة خطيرة يجب البحث عن حلول لها، وكما يقول ميثاق اليونسكو -بتصرف- كما تنشأ الشرور في رؤوس الرجال، ففي رؤوسهم يجب أن تبنى حصون الخير.
إن حل المشكلات الاجتماعية قد يكون له جوانب عديدة منها:

الجانب القانوني بإصدار التشريعات.
الجانب التربوي ببناء اتجاهات سليمة في عقول الناشئة.
وإلّا سنبقى نعاني، ونجد دائمًا من يشرب الشاي إلى جانب ابنته القتيلة!
مرة أخرى إنه دور التعليم!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى