نعم، إنها أكاذيب وتوجيهات / د . أحمد بدري البشابشة

بسم الله الرحمن الرحيم
نعم، إنها أكاذيب وتوجيهات
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعدُ:
فقد مرتْ علي السنون وأنا أحمل القلم والورقة، وكنتُ -ولا زلتُ- أعيش نوعَ عزلةٍ؛ أبني فيها نفسي علميًّا؛ إذ طريق العلم لاحبٌ… وكنتُ أرى، وأسمع أشياءَ لا تَسرُّ، لكن ما كنت ألقي لها بالاً، وما كنت عنها غافلاً؛ لبعض قناعاتٍ عندي ليس أقلَّها قراءةُ الصحف والجرائد.
ثم كان الذي كان… إذ طُلِبَ إليَّ أن أنظر في مقالٍ نُشِر في إحدى الصحف، لإحدى الكاتبات، احتوى على ” أكاذيب وتوجيهات خطيرة ” هكذا عنوانه! بل كذلك مضمونه!
فجردتُ قلمي من جرابه متهممًا بهتك أستارٍ مُرخاةٍ لطالما تَقَبَّى دونها فئامٌ يتخذون من الأدب، والفكر، والعقل شعارًا، ومن التمحيص، والنقد، والمراجعة دثارًا، يحمحمون مرةً بهذا، ويجمجمون أخرى بذلك!
فنظرتُ فيها -لمحًا وخطفًا- فلم أرَ فيه ما يردُّ البصرَ إلا أني شممتُ ذفرًا -آذاني- كنت أجد ريحَه في كتابات العلمانين، والحداثين، وكل مَنْ حطب في هواهم، وتابع لهم… فقلت: ليس حسنًا مقالُها… بل قبيحًا قولُها… وها أنا ذا أذكر بعض أباطيله وأغاليطه! فأقول: ليس جميلاً…
أن يخفى على أستاذة الأدب والنقد واللغة الفرقُ بين “أقاتل”، وبين “أقتل”! في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله…”، في الوقت الذي يعرف الفرقَ بينهما وزنًا ومعنىً صغارُ طلاب العلم ممن درسَ “لامية الأفعال” باكحلالها، واخضرارها، واحمرارها.
بل قبيحًا…
أن ينقد -فضلاً- عن أن يُنقضَ نصٌ ثابتٌ صحيحٌ بنظرة عجلى، مجتزأة، منقطعة عن سياقاتها.
وليس مقبولاً…
التقليل من جهود المؤلفين -الكبيرة- التي بُذلت في تعليم النشء، وتربية الأجيال.
بل معيبًا…
أن تتهم نياتِ المؤلفين -لهذا الكتاب- بالتربص والترصد بغيرهم ممن لا يدين بدينهم! وأظن أن الإدارية التربوية! تعلم تمامًا أن هذا اتهام، وقدح للمؤسسة التعليمية الرسمية، كما تعلم أيضًا أن القائمين على تأليف الكتب الدراسية ثلةٌ من العلماء، والخبراء والتربويين منهم: رؤساء جامعات، وعمداء كليات، ورؤساء جمعيات، بل إن رئيس لجان التأليف هو سماحة الدكتور أحمد هليل مستشار ملك البلاد فالطعن في اختيارات هؤلاء الأجلاء هو في الحقيقة طعنٌ في الهُوية الدينية والفكرية التي تسير عليها المملكة قيادةً وشعبًا.

فليس صحيحًا…
أن الحديث تضمن شحنة ضخمةً من العنف والشدة.
بل شنيعًا…
أنْ يُدلَّس ويُموَّه على الناس مدى العدل والرحمة الإحسان التي حملها هذا الحديث، فبعد أن تعرف الدكتوره الناقدةُ! الممحصةُ! المحققةُ! الفرق بين “أقاتل”، وبين “أقتل” يظهر لنا مدى العدل والرحمة والإحسان التي حملها هذا الحديث، فغاية ما فيه أن كل مَنْ قام يمنعُ وصول الإسلام للغير كان حقًا علينا واجبًا أن نقاتله، وليس قتلَه -وإن وقع قتلُه- لأنه يكون حيئنذٍ صادًا عن الخير، داعيًا للشر.
وليس صوابًا…
أن مَنْ لم يؤمن بالإسلام يرفع عليه السيف
بل قبيحًا…
أن يُتْرك -يا مَنْ لا تهجري الأمل- بقيةُ النصوص الدالة على عدم إكراه أحدٍ على الإسلام، وآي القرآن في ذلك كثيرة…
ثم لا ينتهي العجبُ من قولها: “فعلم الحديث لم يتناول بالدرس والتمحيص حتى الآن…”، نعم، انتظرنا طويلاً حتى جاءت الدكتوره المدققة والمُحاصِصَة… فمحصتِ الرواياتِ، ودرستِ الأحاديثَ، فأتت بما لم يستطعه الأوائلُ، وقد فعلتْ! فأتت بالعجب، العُجاب، العاجب، العجيب…
وقولها: “وتُرِكَتْ متون الأحاديث حتى الآن ليجتهد فيه من يجتهد…”، وليعلم أن حديثًا لا يدخل دائرة النقد والبحث الحديثي إلا بعد سلامته من مخالفة القرآن الكريم، وسلامته من مخالفة العقل والعلم، وسلامته من مخالفة الواقع والفطرة، وسلامته من مخالفة التاريخ الصحيح والحقائق الوجودية… يمر الحديث بهذه المقايس والقوانين قبل أن يخضع لشرائط الصحة والضعف.
وقولها: “وهي جهود لم تتناول أهم كتابين في الحديث: البخاري ومسلم”، أذكر هنا قول ابن عبدالبر: “لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف”. وليعلم مرةً أخرى: أن أكثر كتابٍ وُضِعَ عليه شروحٌ، وحواشٍ، وتعليقاتٌ، وتتبعٌ، واستدراكٌ، واستخراجٌ… هو كتاب البخاري “الجامع الصحيح”، فقد بلغت جهود المتقدمين أكثر من ألف كتاب، وزادت دراسات المعاصرين عن خمسمائة دراسة. ثم يقال: ليس هناك جهودٌ!! أو أن كلمة “جهود” لها معنىً آخرُ عند أستاذة العربية.
وقولها: “مع أن هذه الكتب فيها ما فيها من المبالغات بل والأكاذيب التي لم يقف عندها عالم من علماء الحديث”، وقد صدق ابن حزم لما قال: “لا آفةَ على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون”.
أما الداهية الدهياء فهي الأرقام الفلكية التي ذكرتها الباحثة الأكاديمية! ولم تُشر للمصدر! ويكفي في رد هذا غيابُ الأمانة العلمية في نقلها! فهذه الأرقام بالنص جاءت في ثنايا محاضرة بعنوان “ما بين النص القرآني والبخاري”، حلقة رقم (115)، بتاريخ 13/12/2014م، نشر على اليوتيوب للشيخ “ميزو” أحد الطاعنين على البخاري وصحيحه.
فضلاً عن قصرها مدة بناء الكتاب على ست عشرة سنةً والحقيقة أن البخاري أُلهم الحديث قبل العاشرة فأقل أحواله اشتغاله بالحديث مدة لا تقل عن الخمسين عامًا.

حرر بتاريخ 13/نوفمبر/2015
د. أحمد بدري البشابشة
عضو جمعية الحديث الشريف وإحياء التراث

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى