يعد مولد النبي الهادي محمد صلى الله عليه وسلم هو ولادة عهد جديد وأنشقاق الظلام وأنبعاث النور المبين والهدى من ذل الجهل وأستعباد الظلم والجهل الذي كان يخيم على البشرية وأعلان الوحدانية ونبذ العبودية والسخرة وتمهيد الطريق أمام أخر رسالة سماوية والدعوة لدين الله الحق وتوحيد العالمين تحت راية لا إله إلا الله محمدا رسول الله وهو ما يجعل المسلمين في جميع الدول الإسلامية يحرصون على الأحتفال بتلك الذكرى العطرة التي يملأ صداها الأجواء فرحا وسرورا وتزيد الشوق لرؤية المصطفى وتكون الحافز على أجتهادهم لنيل شفاعته والأقتداء بأخلاقه العظيمة وأتباع سنته المطهرة.
يحتفل العالم الإسلامي ، في شرقه وغربه، وشماله وجنوبه بذكرى حبيبة إلى قلوبنا، عزيزة على نفوسنا، إنها ذكرى ميلاد النور، وإنها لذكرى أحيت الأرض بعد مواتها، وأيقظت البشرية من غفلتها، وأعادت للإنسانية المعذبة عزتها وكرامتها. ولا تزال أصداء هذه الذكرى ترن في أسماعنا، وتهز قلوبنا ومشاعرنا، ولا يزال نسائم أريجها، وعبير شذاها يملأ ويشرح صدورنا، إنها ذكرى ميلاد المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق وحبيب الحق وخاتم الأنبياء والمرسلين. يُعتبر يوم المولد النبوي الشريف يوماً لاستذكار صفات ومناقب أشرف الخلق والمرسلين، فهو النبي الهادي للأمة، الذي جاء برسالة الإسلام السمحة ليمحو التخلف والجهل والطائفية، وينبذ الكفر والشرك، حيث يعتبر مولد النبي أيضاً إيذاناً ببدء عهدٍ جديد، وتمهيداً لنزول الرسالة السماوية الخالدة إلى كافة الناس، وهي رسالة الإسلام، حيث ختم الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل جميعاً بنبيّه محمد وبرسالة الإسلام التي جاءت بالدعوة الخالدة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، وعدم الشرك به، وأداء العبادات جميعها، والالتزام بأركان الإسلام الخمسة، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإيقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً.
إنها ذكرى ولادة أعز من في الوجود، سيد ولد آدم، الرحمة المهداة، الشفيع لنا يوم القيامة. نسأل الله لأمتنا العافية وحياة القلوب المتشوّقة إلى حب الله ورسوله والإلتزام بنهجه وشرعه والتوحد تحت كلمته وتحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله). وحرّيٌ بالعرب والمسلمين أن يرجعوا للنبع المُحمّدي الصافي ويغادروا كل عوامل التفرق والتشرذم والخلاف التي يُغذيها أعداؤهم، من طائفية وعِرْقية.. وعصبيّة جاهلية مقيتة، وليستلهموا من هذه الذكرى العطرة، ومن صاحب الذكرى، المعاني والعبر التي تعينهم على تجاوز محنهم وإخفاقاتهم، ويعودوا إخواناً متحابين كما أمرهم الله ورسوله.
في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام موعد مع حدث عظيم كان له تأثيره في مسيرة البشرية وحياة البشر طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان، وسيظل يشرق بنوره على الكون، ويرشد بهداه الحائرين، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. كان ميلاد النبي “محمد” صلى الله عليه وسلم أهم حدث في تاريخ البشرية على الإطلاق منذ أن خلق الله الكون، وسخر كل ما فيه لخدمة الإنسان، وكأن هذا الكون يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، بذكرى عطرة عزيزة على القلوب، هي ذكرى مولد فخر الكائنات، نبي الأمة والرحمة المهداة للبشرية جمعاء (سيدنا محمد) صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء والمرسلين، الذي بمولده وطلعته إستنار الكون وأشرقت الأرض بنور ولادته، كيف لا وهو الرحمة المهداة، والنعمة العظيمة، والأمل المنتظر الذي أرسله الله عز وجل للناس أجمعين ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)) سورة الأنبياء107. فكان رحمة للبشرية كلها. وببعثته ورسالته ودعوته انقشعت الظلمات وتبدلت الأرض غير الأرض والناس كذلك، فإنتشرَ العدل بعد طول سيطرة للظلم، وعمَّ الإحسان بعد طول كراهية وجفاء، وانمحت ظلمات غشيت العقول وأعمت البصائر والأبصار
إن ذكرى المولد النبوي الشريف هي مناسبة وفرصة لكل مؤمن كي يتذكر اصطفاء الله عز وجل للنبي المصطفى من بين كل الخلائق، وإصطفاءه لنا من بين كثير من الخلق لنكون من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه، ولا شك أن الفرح بهذا الإنتساب يجب أن يتناسب مع ما يستحقه من محبة واتباع لنهج المصطفى، وإلتزام بهديه، كما يجب أن تكون هذه الذكرى موعظة لكل منا يرى فيها حال المسلمين والعرب اليوم الذين تداعى عليهم الأعداء والكارهون، كما تتداعى الأَكَلَةُ إلى قصعتها لأن المسلمين والعرب باتوا اليوم غثاءً كغثاء السيل، لا تغني عنهم كثرتهم العددية ولا ثرواتهم الطائلة، ماداموا بعيدين عن منهج الحق الذي جاء به صاحب الذكرى العطرة.
وما أحوج امة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إلى أن تعود إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنظر فيها بتمعن وتتدبر ما فيها من دروس هي في أمسّ الحاجة إليها بالخصوص في هذا الظرف الصعب الذي تمر به، ففي هذه السيرة الحلول لمشاكل المسلمين، وفي هذه السيرة الشفاء لكل الأمراض والعلل، إن كل واحد من امة محمد صلى الله عليه وسلم يجد ما يناسبه في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجعله يسلك الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا ضرر فيه ولا ضرار.
إن ذكرى المولد النبوي الشريف هي محطة يقف عندها المسلم ليستحضر كل هذه المعاني وغيرها وغيرها فكل شيء في رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل موقف اتخذه وكل تصرف صدر عنه وكل حياته بل حتى مماته كل ذلك دروس وعبر ومواعظ وكمال وجمال وعظمة بل كل ذلك دين يتعبد به الله ويتقرب به إليه صلى الله عليه وسلم وكرم وعظم.
سيظلّ يوم المولد النبوي الشريف، يوماً شاهداً على أعظم ذكرى في تاريخ الأمة الإسلامية، وهو يومٌ يمنحنا العبر والدروس، ويحيي فينا الشوق لنبيّنا وحبيبنا محمد، ويؤجّج القوة الإيمانية في نفوس المسلمين بأن يُحفّز على العبادة والصلاة والذكر والصلاة على صاحب الذكرى، بالإضافة إلى العمل بسنّة النبي والأحاديث النبويّة الشريفة.