من هو #المحروم؟
فحينما تمر بنا أيام الكدر والضيق، فلنكن على يقين أنها لن تدوم وسيأتي من بعدها #الفرج. وإذا عشنا أيام الصفاء فلنهيئ أنفسنا إلى احتمال أن تدور #الأيام لتعكر حياتنا إما بمرض بعد صحة، أو بفقر بعد غنى، أو بحزن بعد فرح، أو بعسر بعد يسر في الأمور المادية، أو بفشل في عمل وتعثر في مشروع دراسة أو عمل أو حتى مشروع زواج، فعند ذلك ما عليك إلا أن تحسن الثقة بربك سبحانه وتقف على بابه وتلجأ إليه وتقول له يا الله ولن يُخيّب رجاءك.
وكيف تخاف الفقر والله هو الغني، وهل تخاف من الخلق وهو القوي، وكيف تخاف وأنت تقف على باب وتسأل من أمره بين الكاف والنون ومن إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون. ثم كن على يقين أن لله تعالى في كل شيء حكمة ولربما جعل في ألمك حكمة، وفي مرضك حكمة، وفي فشلك حكمة، وفي تعطل مشروعك حكمة، وفي تأخير سفرك حكمة فارض بقضائه، وليطمئن قلبك لمشيئته وإرادته سبحانه.
وإذا ظن الناس أن الحرمان هو في نقص الأموال ونقص الثمرات ونقص الإمكانات المادية بها يشترون السيارات والعمارات، ويكون هذا الحرمان سبب حزنهم وضيقهم وهمّهم، فإنما هو الخطأ بعينه، فإن المؤمن والعاقل يرى الحرمان بعين أخرى، ويكون المحروم في نظره وفهمه كما قال الأستاذ الدكتور حسان شمسي باشا:
المحروم من حرم لذة مناجاة ربه عز وجل.
المحروم من حرم الصلاة في وقتها في جماعة في المسجد.
المحروم من حرم بر الوالدين وطاعتهما ودعاءهما له.
المحروم من حرم لذة البكاء من خشية الله تعالى.
المحروم من حرم قراءة القرآن وتدبره.
المحروم من حرم قيام الليل بالصلاة والبكاء بين يدي الله تعالى.
المحروم من زحزح عن الجنة وألقي في النار.
المحروم من حرم شفاعة محمد ﷺ يوم القيامة.
وما سوى ذلك فاعلم وتذكر أنها من منغّصات الدنيا التي عجنت بالضيق والكدر، فلا تستسلم لها ولا تيأس من روح الله {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} آية 87 سورة يوسف.
وما أجمل ما قاله الإمام الشافعي:
يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه لا تيأسن فإن الكافي الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعنّ فإن الصانع الله
فإذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله مالك غير الله من أحد فحسبك الله في كلٍ لك الله
فاذكر مصابك بالنبي محمد
وتتفاوت درجة تأثر الإنسان منا وردّة فعله لما قد يصيبه من أفراح أو أحزان. وتتفاوت وتختلف قدرة الإنسان عن الآخر على التحمل وامتصاص آثار ما قد يقع عليه من بلاء، ولذلك فإنه يقال أن فلانًا ضعيف عند المصيبة فيتأثر بل قد يصل إلى حد الإنكسار والإنهيار، بينما يقال أن فلانًا مثل الجمل في صبره ومثل الجبل في تحمله.
وإن من أعظم ما يمكن أن يساهم في زيادة تحمل الإنسان منا وتصبّره عند أي حدث أو مصاب يمكن أن يقع عليه، بأن يتذكر سيرة حبيب الله محمد ﷺ وهو الذي لاقى ما لقي من صنوف البلاء في حياته الدعوية والعائلية، ومع ذلك فقد صبر واحتمل واحتسب، فإذا حدث معك شيء من صنوف الابتلاءات هذه، فعزّ نفسك وذكّرها بأن من هو خير منك قد لاقى مثل الذي لاقيت وأكثر فلا تبتئس.
هل أنت حزين لفقدان أبيك أو أمك أو كليهما؟ فتذكر أن رسول الله ﷺ قد مات أبوه عبد الله قبل أن يولد ولم يره، وأن أمه آمنة قد ماتت وهو ما يزال ابن ست سنين وعاش يتيم الأب والأم.
هل أنت حزين ومهوم لأنك لم ترزق بأولاد ذكور أو أن لك ابنًا قد مات؟ فتذكر أن رسول الله ﷺ قد رزق بثلاثة أبناء هم القاسم وعبد الله وإبراهيم، وهو الوحيد الذي عاش ست سنوات ومات أخواه قبل ذلك.
هل أنت مهموم لأن كل ذريتك من الإناث وليس لهن أخ؟ فتذكر أن لرسول الله ﷺ كان أربع بنات هن زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء رضي الله عنهن وعن كل آل بيت وذرية رسول الله ﷺ.
هل أنت حزين ومهموم لأن لك بنتًا قد طُلقت من زوجها؟ فتذكر أن حبيبك محمد ﷺ قد طُلقت له بنتان هما رقية وأم كلثوم، وكانتا قد تزوجتا من ابني عمهما أبي لهب عتبة وعتيبة، ولما كانت البعثة الشريفة والرسالة المباركة وكان كفر وعناد وعداء أبي لهب لابن أخيه وقد وصل به الأمر إلى أن يأمر ابنيه بطلاق ابنتي رسول الله ﷺ زيادة في إيلامه وقد أبدلهما الله خيرًا من عتبة وعتيبة، فتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه من رقية وماتت بعد فترة قصيرة ثم تزوج من أم كلثوم وقد عُرف بذي النورين رضي الله عنه .
هل أنت حزين ومهموم لأن الناس قد اتهموك في عرضك ونالوا منك؟ فتذكر أن الناس والألسن المريضة قد نالت من عرض من هو أحب إلى الله منك، إنه رسول الله ﷺ لما طعنوا في عرض زوجته عائشة بنت أكرم الخلق بعد رسول الله ﷺ إنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
لقد نالت ألسن السوء من عائشة واتهموها بصحابي جليل رضي الله عنه هو صفوان بن المعطل، وكان من خيرة الصحابة، وفصّلوا ونسجوا لذلك حكاية وقصة أسماها القرآن “حادثة الإفك” حيث لشهر كامل ورسول الله ﷺ مهموم وأبو بكر حزين وعائشة كادت أن يعمى بصرها من كثرة البكاء حتى نزلت ٱيات من السماء تتلى إلى يوم القيامة ببراءة عائشة رضي الله عنها وشرفها وعرضها {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ} آية 11 سورة النور. {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} الآية 19 سورة النور.
هل أنت حزين ومهموم لأنك مدين بدين ثقيل لا تستطيع سداده؟ فتذكر أن من هو أحب منك إلى الله إنه رسول الله ﷺ قد مات ودرعه مرهونة عند يهودي قد استدان منه، ورهن الدرع حتى يسد الدين من عائشة رضي الله عنها والتي قالت: “توفي رسول الله ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي ب 30 صاع شعير” لكنه الدين يكون للضروريات وليس للكماليات وتافه الأشياء، فإذا نزل بك الدين وهو ثقيل فقل ما كان يقول رسول الله ﷺ: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”.
هل أنت مهموم وحزين لأنك لا تجد قوت يومك؟ فتذكر أن رسول الله ﷺ كان يمر على بيته الشهر والشهران ولم توقد فيه النار أي لم يُطبخ فيه طبيخ وكان يعيش على الماء والتمر. إن من الناس اليوم من شعاره في إثبات فقره أنه لا يوجد شيء في الثلاجة، كما أراد السيسي أن يثبت أنه متواضع وغير مسرف بأنه ومنذ سنوات لا يدخل ثلاجته إلا الماء وهو الكذّاب الأشر.
هل أنت مهموم لأنك تعرضت لإهانة من أحد؟ فتذكر أن حبيبك محمد ﷺ قد شتموه بأقذع الألفاظ بل وألقوا على رأسه الشريف سلا جزور “كرشة الجمل التي فيها كل الأوساخ والفضلات”، فاصبر واحتمل.
هل أنت مهموم لأنك تعاني من إعاقة أيًا كانت، أو ابتليت بولد من ذوي الاحتياجات الخاصة بنسبة كبيرة أو صغيرة، أو أنك أصبت بجروح وندوب في جسدك؟ فتذكر أن هذا الولد يمكن أن يكون رحمة من الله لك وسببًا لدخولك الجنة، وتذكر أن رسول الله ﷺ قد شجّ رأسه في معركة أحد وكسرت رباعيته السفلى وهي السن الثانية بجانب الناب فكسرت ولم تخلع، وبقي كذلك حتى مات رسول الله ﷺ، قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: “والمراد بكسر الرباعية وهي السن التي بين الثنية والناب، إنها كسرت فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها، وأن الأنبياء قد يصابون ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام ليعظم لهم بذلك الأجر وتزداد درجاتهم رفعة وليتأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين”.
ما أكثرها الأمثلة والنماذج لصنوف البلاء يمكن أن تكون وقعت فيها، ووقع فيها مثلك وقبلك رسول الله ﷺ لكنه لم ييأس ولم يحبط، بل ظلّ متفائلًا واثقًا على يقين بربه سبحانه وهو مطمئن إلى أن لله تعالى في كل أمر حكمة هو يريدها سبحانه.
فلا أجمل ولا أعظم شفاء أو أنفع دواء لما أنت فيه من أن تتأسى عند كل بلاء وداء وكرب برسول الله ﷺ، وقد قال في ذلك أبو العتاهية:
اصبر لكل مصيبة وتجلّد واعلم بأن المرء غير مخلد
أوما ترى أن المصائب حجّة وترى المنية للعباد بمرصد
من لم يصب مما ترى بمصيبة هذا سبيل لست فيه بأوحد
وإذا أتتك مصيبة تشجّى بها فاذكر مصابك بالنبي محمد
نعم عند كل مصيبه تنزل بك تذكر ما نزل برسول الله ﷺ من مصائب فتهون عليك مصيبتك.
قبل أن لا تتحقق أمنيتك
ليست الخسارة أن لا تدرك شيئًا تتمناه أو كان في يدك وضاع منك فتحرم منه.
إنها قصة تلك المحاضِرة الكبيرة في إحدى جامعات بريطانيا وقد خرجت للتقاعد فجاءها طلابها ومن تخرّجوا على يديها يحملون باقات الورود وشهادات التقدير لتلك المحاضِرة.
وبينما هم يقدمون لها الهدايا وكلمات الثناء، كانت هي تغالبها الدموع، فلما سئلت عن بكائها في يوم احتشد كثيرون للثناء عليها قالت: كلكم الآن سترجعون إلى بيوتكم وعائلاتكم وأطفالكم، أما أنا فسأرجع إلى بيت هو جدران صمّاء جافة لأنني انتبهت لكل شيء وتذكرت كل شيء، لكن نسيت أن أكون أمًا ولو تمنيت في هذا الجيل أن أكون أمًا ما استطعت.
وإذا كانت هذه المحاضِرة تعتبر خسارتها وندمها على شيء دنيوي، فإن امرأة مسلمة تحدث عن نفسها وقد خطفتها الدنيا ببريقها ولمعانها وكيف كانت جاهلة فتمنت الدخول للمدرسة فدخلتها، ثم الجامعة فنالت شهادتها، ثم الوظيفة فوصلت إلى أعلى مراتبها، ثم كان الزواج والأسرة والأطفال الذين كبروا وتزوجوا. تقول: وبعد كل هذا تمنيت التقاعد لارتاح فكان لي ما تمنيت ولكن شاب الشعر وانحنى الظهر وضعف البصر وما زالت لي أمنيات:
تمنيت أن أحفظ القرآن لكن ذاكرتي خانتني.
تمنيت أن أصوم لكن صحتي لم تسعفني.
تمنيت أن أصلي قيام الليل لكن قدمٓيّ لم تقدران على حملي.
فاغتنم صحتك قبل سقمك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .