هل للأطفال دور في الاستدامة؟

هل للأطفال دور في الاستدامة؟

#ماجد _دودين

هل تعتقد أنَّ طفلك صغيرٌ لدرجةِ عدم القدرة على إحداث الفرق في عالم الاستدامة؟ أعِدِ التفكير مليّاً.

الأطفال هم المستقبل… ولذا نحن بحاجة إلى غرْس الإحساس لدى الأطفال بالحفاظ على البيئة وحماية كوكبنا. وأنْ نعلّمهم كيف نعتني بالأرض لجيلهم وللأجيال القادمة؟!

تنطوي الاستدامة للأطفال على أحد المبادئ الأساسية للحياة المستدامة وهو: يمكن لأصغر التغييرات وأبسطها- حتى من قبل أصغر الناس عُمْراً-أن تساعد في إحداث تغيير هام. وهناك أطفال وفتْية وشباب في العالم تتراوح أعمارهم بين (8 – 17) عاماً صنعوا الفرق في التأثيرات البيئية وكان لهم تأثير بيئي إيجابي ملموس على الصعيد الدولي.

من هذا المنطلق، ما هي الاستدامة بالنسبة للأطفال؟

قد يكون تعريف الاستدامة الجيّد للأطفال قصيراً وبسيطاً وجذّاباً ومحبّباً: الاستدامة هي القيام بتغييرات صغيرة تساعدنا على الاعتناء بمنزلنا الذي نسميه كوكب الأرض.

أفضل شيء بشأن أنشطة الاستدامة هذه للأطفال هو أنك ستشارك بها بنفسك أيضا. لأننا جميعا- صغاراً وكباراً على حد سواء- يمكن أن نتعلّم إظهار المزيد من الحب لكوكبنا وحمايته والحرص عليه. وذلك من خلال عدد من المحاور التي تشمل: تعزيز حبّ الطبيعة لدى أطفالك… فكّر في العودة إلى ذكريات طفولتك. نراهن أن لديك ذكريات جميلة عن الركبتيْن المتسختيْن، وتسلّق الأشجار، والتنزّه، واكتشاف الحيوانات والطيور والحشرات، ولعبة الاختباء والبحث…لكن الأمور مختلفة قليلاً بالنسبة للأطفال اليوم عمّا كانت عليه الأحوال قبل عشرين إلى ثلاثين عاما. نحن في عصر التعرّض للشاشات والأجهزة الالكترونية منذ سنّ مبكرة، لقد اعتاد الأطفال الذين يلعبون في الهواء الطلق الاستمتاع بكل شيء حولهم… ولكن الأمر مختلف حالياً ففي الواقع، يقضي 50 ٪ من الأطفال أقل من ساعة في الخارج كل يوم…وهذا الوقت أقل من الوقت الذي يقضيه نزلاء السجون في التريّض يومياً. وقد أشار “ريتشارد لوف” بشكل حاسم: “لا يمكننا حماية شيء لا نحبه، ولا يمكننا أن نحب ما لا نعرفه، ولا يمكننا أن نعرف ما لا نراه ونلمسه ونسمعه.”  ” لوف” هو مؤلف كتاب “آخر طفل في الغابة” الذي يناقش بالتفصيل إنقاذ أطفالنا من “اضطرابات نقص الطبيعة” …وكيف يمكن أن يساعد تعرّض الأطفال للطبيعة والاستمتاع بها في علاج الاضطرابات العقلية، بما في ذلك اضطرابات نقص الانتباه. ويشير إلى التكلفة البشرية التي تنتج عن العزلة والبُعْد عن الطبيعة وتشمل صعوبات الانتباه، وارتفاع معدلات الأمراض الجسدية والعاطفية، وظروف حدوث السُمنة، وتقلّص قدراتنا على استخدام حواسنا.

إنّ الانفصال عن الطبيعة لا يضرّ بصحة الطفل العقلية والبدنية فحسب، بل يقوّض قدرة الطفل على فهم كوكبنا والعناية به، فضلا عن معرفة وإدراك قيمة موارده وثرواته الثمينة.

من الأفضل تحقيق الاستدامة للأطفال ليس من خلال كلماتنا وأقوالنا ولكن من خلال التجربة العمليّة، مما يسمح لهم بالتواجد والعيش في الطبيعة، ومراقبة البيئة من حولهم من خلال حواسهم والسماح لهم بالتوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة.  يمكن أن يكون الأمر بسيطاً مثل قضاء المزيد من الوقت في حديقة الفناء الخلفي للمنزل، أو الذهاب إلى متنزّه محلي، أو ممارسة رياضة المشي يوميا، أو التخطيط لركوب الدراجة الهوائية أسبوعيا.

وبالنسبة للآباء المنهمكين في أعمالهم ومشاغلهم، هناك طرق أكثر مرونة لمساعدة أطفالك على تجربة العالم الطبيعي: مثل استكشاف المتنزهات المختلفة في منطقتك وخاصة ذات المناظر الطبيعية المختلفة… وزيارة الممرات المائية المحليّة أو قضاء بعض الوقت بالقرب من شاطئ البحر أو المحيط إن أمكن.

خذ بعض الوقت للتعرف حقا على الفناء الخلفي لمنزلك. تعرّف على عدد الأنواع النباتية المختلفة هناك؟ وعدد أنواع الطيور، والحشرات، والحيوانات الأخرى التي يمكنك رؤيتها؟ وكيف تؤثر التغييرات الموسمية والمناخية على المنطقة؟ قم بعمل قائمة ولاحظ سلوكيات حيوانية مختلفة. قم برحلة إلى حديقة حيوانات محليّة أو محميّة للحياة البرية. قم بزيارة مزرعة محلية أو مركز بيئي.  ضع في اعتبارك رحلة تخييم (باستخدام معدات التخييم الصديقة للبيئة). انقل وقت اللعب ليكون في الهواء الطلق من خلال التخطيط للمشي لمسافات طويلة وتعيين وقت في الهواء الطلق بلا شاشات كل أسبوع، والسماح بتنمية غريزة حب الاستطلاع لدى أطفالك وجعل الخيال وحب الاستطلاع يوجّه ممارستهم لألعابهم وكلما جعلت طفلك في وقت مبكر يلعب خارج المنزل كلما ازدادت رغبته بالاستمرار في استكشاف عالم الطبيعة.

نحن نعرف حقيقةً مدى انشغال الوالدين وانهماكهم في مشاغلهم، لكن تذكر أهميّة أن تخرج مع أطفالك. كلما زاد الوقت الذي تقضيه في الهواء الطلق مع أطفالك، زاد شعورهم بالتعلّق بك والارتباط بالبيئة. فصوت الأعمال أعلى من صوت الأقوال.

ومن المحاور الأخرى التي تعزّز توعية الأطفال في مجال الاستدامة حثّهم وتشجيعهم على الغوص في كتب الاستدامة باستكمال تجارب الأطفال في الهواء الطلق بقراءة كتب الاستدامة التي تساعدهم على معرفة المزيد عن الطبيعة.  وإذا كانوا أصغر سناً، فاقرأ لهم ومعهم فالقراءة بصوت عال أهم نشاط لدعم الطفل بالمعرفة المطلوبة للنجاح النهائي في القراءة.

بعد ذلك يمكن الانتقال إلى تعليم الأطفال غرس النباتات وزراعة الأشجار وتسميدها وتقليل هدر الطعام المنزلي! بغض النظر عن كيفية قيامك بذلك، سوف يتعلم الطفل عن عملية التحلّل، ودورة الحياة، وأهميّة إعادة تدوير “النفايات.” ومن السهل عموما نمو الجزر والطماطم والبنجر وغيرها وهي خضروات تنمو بسرعة نسبياً. ومع مثل هذه الخضار، يمكن للطفل أن يتذوّق ويلمس ويشمّ رائحة العالم الطبيعي مباشرة.

في الواقع، وجدت الأبحاث أن الأطفال أكثر ميلاً بخمس مرات لتناول الخضار عندما يزرعونها بأنفسهم. وقد يكون هذا النشاط هو ما يحتاجه طفلك لتعزيز نظام غذائي صحي.

بمجرد زراعة البذور، شجعهم على قضاء بعض الوقت في رعاية نباتاتهم، إمّا من خلال الري أو إزالة الأعشاب الضارة أو عملية الحصاد المثيرة للغاية. سيتعلمون كيف ومتى ولماذا تنبت البذور، وكيف تتفاعل الحشرات وأشعة الشمس والمياه مع النباتات المزدهرة. هذا ليس مجرد درس حول الاستدامة البيئية للأطفال. إنه يعلمهم أيضا المسؤولية. وبمجرد أن يروا أشجارهم تنمو في نهاية الموسم، سيكون لديهم شيء يفتخرون به، مما سيسهم في النهاية في تقديرهم لذاتهم.

ننتقل بعد ذلك إلى تعليم الأطفال عمليات إعادة التدوير بمراحلها المختلفة – وأنه يجب اتخاذ أربعة إجراءات، إن أمكن، قبل “إعادة التدوير”وتتضمّن: الرفض   “Refuse” وهوالعنصر الأول في التسلسل الهرمي لمبدأ (خمسه آر) لـ 5R . قد يتطلب تعلم رفض الهدر بعض الممارسة، ولكن دمج هذه الخطوة في استراتيجية العمل هو الطريقة الأكثر فاعلية لتقليل الهدر، والتقليل “Reduce”، وإعادة الاستخدام” Reuse”، وإعادة الغرض أو الغاية “Repurpose” لكل عنصر لا يمكن رفضه أو تقليله أو إعادة استخدامه، حاول تغيير الغرض منه. يشير العديد من الأشخاص في المجتمع الأخضر إلى هذه الطريقة على أنها إعادة تدوير نحو الأعلى، ثم إعادة التدوير” Recycle”. سيؤدي دمج هذه المنهجية في جهود تقليل النفايات وإعادة التدوير في عملك إلى تقليل حجم نفايات مدافن النفايات ويساعد في نقل برنامج إعادة التدوير إلى المستوى التالي.

كل خطوة في إعادة التدوير، وغرس مفهوم الاستدامة للأطفال يمكن أن تتحول إلى شيء ممتع لجميع أفراد الأسرة، وتوفير المعلومات والترفيه للصغار لأنها تعلّمهم قيمة الموارد وأهميّتها.

وختاماً فإن القيادة بالقدوة هي الطريقة الأكثر فعالية للوالدين.”  النمذجة” للعقول الشابة أمر بالغ الأهمية لإضفاء التعاطف والحب والحرص تجاه كوكبنا وبالتالي العيش حياة أكثر استدامة.

وإليك بعض الطرق البسيطة لتتمكن من القيام عملياً بما تعظه وتعلّمه نظرياً لأطفالك فعلى سبيل المثال لا الحصر القيام باستخدام الدراجة الهوائية للذهاب للعمل (إذا كنت تستطيع) كبديل صحي… والابتعاد عن التبذير والإنفاق على الملابس بالشراء من ماركات الملابس المستدامة عندما تحتاج إلى شيء جديد (يقدم الكثير من الشركات ملابس أطفال مستدامة وملابس أطفال عضوية أيضا). كما يمكنك التخطيط لرحلة برية بدلا من شراء تذاكر الطائرة لقضاء إجازتك العائلية القادمة… والتقاط القمامة التي تراها أثناء المشي أو في ملعب المدرسة أو على الشاطئ… والمشاركة في المبادرات التطوعيّة. وتذكّر إطفاء الأنوار والأجهزة عندما لا تكون قيد الاستخدام، والاستحمام لفترة أقصر، وتعليق ملابسك لتجف بدلا من استخدام جهاز التجفيف في الصيف، وأن يكون لديك دوماً زجاجة مياه صديقة للبيئة. قائمة الطرق لكيفية تقليل انبعاثات الكربون في المنزل لا حصر لها فهي تشبه سعة خيال طفلك. وبالتالي، لماذا الاستدامة مهمّة للأطفال؟

ببساطة…لأن مستقبلهم يعتمد على ذلك. حيث تعتبر النظم البيئية والبيئات الصحية ضرورية لبقاء جميع النباتات والحيوانات، وهذا يشمل حياة أطفالنا وبقاءهم ومستقبلهم. عندما يفهم الطفل هذا، ويتحمل المسؤولية عن أفعاله، ويخطط لمستقبله، ويشكّل علاقة أعمق مع عجائب هذا العالم، سيكون أكثر صحة وسعادة وقدرة على المساهمة في مستقبل مزدهر ومستدام للجميع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى