مظاهرات إيران بين محاولات التشكيك والتحريض
أيمن يوسف أبولبن
لا نستطيع أن نفهم ما حدث في إيران بعيداً عن الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي تعيشه البلاد، هناك أكثر من ثلاثة ملايين عاطل عن العمل في إيران، بمعدل بطالة 12.7% حسب تقارير البنك الدولي، كما أشارت تقارير نشرت عام 2015 إلى وجود نحو 15 مليون مواطن (من أصل 80 مليونا) يعيشون تحت خط الفقر المدقع.
تشير الدراسات أيضاً إلى نزوح نحو سبعة ملايين طالب عن المدرسة، وتوجههم إلى سوق العمل بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، حيث تفتقد العديد من المحافظات للخدمات الأساسية وجودة المعيشة.
ومن هنا نستطيع استيعاب الشعارات التي رفعها المتظاهرون، والتي تركزت في الأساس على ارتفاع الأسعار والمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، وشملت التوقف عن الدعم المالي لحزب الله وبشار الأسد والميليشيات العراقية واليمنية، ثم وصلت ذروتها بالمطالبة بإسقاط النظام وإلغاء ولاية الفقيه.
وقد شملت لائحة المطالبات الرئيسية، إجراء تعديل على الدستور، إجراء انتخابات حرة ونزيهة، فصل الدين عن الدولة، المساواة بين الرجل والمرأة، التوزيع العادل للثروة، الحرية الدينية (إلغاء الحجاب الإجباري وغيره من المظاهر)، استقلال القضاء، وأخيراً حرية الإعلام.
يشعر المواطن الإيراني أنه يعاني ظروفاً صعبة بسبب سوء إدارة البلاد والفساد، وبسبب التعنّت في المواقف السياسية، وتسريب أموال الدولة إلى الخارج، لدعم أنظمة وميليشيات تمارس أعمالاً قتالية لا تعود بفائدة على إيران بشيء، مثل جماعة الحوثي وحزب الله، والفصائل الشيعية في العراق. وزاد تشاؤم المواطن الإيراني، بعد الاتفاق النووي مع الغرب ورفع الحظر والعقوبات الاقتصادية (جزئياً) عن إيران، ففي الوقت الذي كان يأمل فيه أن يعود تحصيل الدولة لأموالها المجمدة في الخارج، بنتائج إيجابية على اقتصاد البلاد، إلا أن المواطن العادي لم يطرأ عليه أي تحسن اقتصادي أو معيشي بل على العكس ازدادت الأوضاع سوءاً، في ظل استمرار معاناة المجتمع الإيراني من مشاكل الفقر والإدمان وارتفاع نسب الطلاق ومعدل الجريمة.
في الحقيقة، إن النظام الإيراني منذ عهد الخميني قد بنى إمبراطورية ضخمة، وحصّن نفسه جيداً من أي قوى للمعارضة، وبالأخص القوى المدنية والسياسية، عبر إحكام القبضة على البلاد من ثلاث دوائر رئيسية، أولاها القبضة الدينية بتطبيق ولاية الفقيه، والحكم بأمر الله على الأرض حيث صادر النظام جميع الحريّات الدينية، ومبدأ حرية الاختيار والاعتقاد الذي ضَمِنه الله لجميع عباده، يقول الله تعالى ((فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ)) بل إنه كرّس مبدأ الطاعة العمياء والانقياد الأعمى للأولياء والمرشدين.
وثاني هذه الدوائر، هي حُكم العسكر، فالنظام الإيراني لديه مؤسسة عسكرية تُحكم قبضتها الأمنية على البلاد وتسيطر عليها، تتمثل في الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات المسلحة المنبثقة عنه، مثل فيلق القدس الذي يسيطر عليه قاسم سليماني.
أما الدائرة الثالثة، فهي المؤسسة الاقتصادية وطبقة رجال الأعمال، التي تسيطر على الشركات الوطنيّة التي تمتلك الحقوق الحصرية لاستخراج وتصدير ثروات البلاد (النفطية وغيرها) تحت اسم التأميم الوطني، فعلى سبيل المثال تملك شركة «خاتم الأنبياء» التابعة للسلطة تحت مظلتها أكثر من 800 شركة فرعية، وتقوم بتنفيذ ما مجمله نحو 10 آلاف مشروع اقتصادي سنوياً، فيما تشير تقارير دولية إلى أنها واجهة النظام لغسل الأموال وتحويل الأموال العامة إلى أموال خاصة للسلطة الحاكمة.
وإذا علمنا أن قطاع النفط قد تم تأميمه بعد الثورة الإسلامية عام 1979 بإعطاء حقوق التنقيب والاستخراج للحكومة وشركات وطنية (معظمها تابعة للسلطة)، نستطيع أن ندرك جيداً أن عائدات النفط لا يتم استغلالها لرفد الصناعات الوطنية، ورفع مستوى البنية التحتية والخدمات الأساسية، بل يتم تصريف جزءٍ كبيرٍ منها على أذرعة النظام، كما يتم استخدامها أيضاً في الصناعات العسكرية ودعم الحلفاء.
بناء على ما تقدّم، من السذاجة الاعتقاد أن المظاهرات الشعبية التي شهدتها البلاد في الأيام الماضية ستسفر عن زعزعة كيان النظام أو سقوطه، فهذا مستبعد حالياً، والأمر يحتاج إلى ثورة داخلية يقودها تيار إصلاحي من داخل النظام نفسه، يمتلك بعض مفاتيح السيـطرة ويسـتطيع قلـب المـوازين.
لهذا نقول، إن دعم المتظاهرين والتضامن معهم، هو رسالة إنسانية يجب على كل الأحرار في العالم، أن يتبنّوها وأن يؤمنوا بحق المواطن الإيراني على العيش بكرامة والحصول على حقوق المواطنة الكاملة من عيش كريم، وعدالة اجتماعية، والأهم حرية الكلمة والتعبير والاعتقاد، على أمل إثراء الرغبة بالتغيير وتبنيها سياسياً من قبل النخب السياسية هناك والعمل على تحقيقها في المستقبل القريب.
مما لا شك فيه، أن أي نظام يستقوي على شعبه باسم الله، ويحيك المؤامرات في المنطقة ويغذي النزاعات الطائفية والعنصرية، هو نظام لا يؤمن بالتعايش ولا يمكن ان يكون جزءاً من منظومة إقليمية تعمل على الاستقرار وتعزيز التعاون فيما بينها، وبالتالي فإن أي جهود تدعو إلى إصلاح هذا النظام وإعادة ترتيب بيته الداخلي بما يضمن صلاح شؤونه الداخلية وضمان تعاونه السلمي مع جيرانه وتكثيف الجهود لحل المشكلات الإقليمية والتصدي للمشروع الصهيوني في المنطقة، هي جهود مباركة ومن واجب جميع حكومات وشعوب المنطقة والمؤسسات الأهلية تكثيف هذه الجهود ومساندتها.
لم يكن مستغرباً، أن يقف نشطاء ما يسمى بحلف المقاومة والممانعة، موقف المعارض والمُشكّك من المظاهرات الشعبية في إيران، لا لشيء سوى أنهم يرون في هذه المظاهرات إضعافاً للنظام الإيراني الحليف الأقوى لهم في المنطقة، متجاوزين بذلك كل القيم الإنسانية التي جُبلنا عليها بالفطرة، من نصرة المظلوم والتضامن مع كل إنسان يطالب بنيل حقوقه الأساسية، والعيش بكرامة على أرض وطنه.
لقد تجاوز هؤلاء أيضاً، عن حقيقة أن النظام الإيراني هو الأكثر تجسيداً لنظام «الكهنوت» في العالم، والذي يعارض في تكوينه وأساسه كل ما جاء به محمد، حيث يهب سلطة الحكم لمجموعة من الكهنة ثم يصبغ عليهم القدسيّة للحكم بأمر الله، ويضمن لهم بالتالي الولاء والطاعة بل يعصمهم من المحاسبة والرقابة والملاحقة القضائية!
كما أنه يتعارض بشكل واضح مع كل مواثيق الإنسان وأبسط حقوق الحريّة.
يتعلل هؤلاء، بمنطق المقاومة والممانعة والتصدّي للمشروع الأمريكي في المنطقة، ولسان حالهم يقول للشعب الإيراني: عليكم أن ترضوا بظروفكم المعيشية الصعبة وعدم محاسبة النظام عن الثروات التي يبددها في الفساد ودعم الحلفاء في الخارج بدلاً من أن ينفقها لدعم اقتصاد البلد وتنمية مشاريعه الداخلية، فالعالم العربي وقضية الشرق الأوسـط أهم من حقوقـكم وعيشـكم الكريـم!
هذا بالإضافة إلى استخدام الفزّاعة نفسها (نظرية المؤامرة) التي تم استخدامها وقت ثورات الربيع العربي، للتخويف من التغيير بحجة تخريب البلاد من أجل سيادة إسرائيل على المنطقة، وترهيب الناس بأن النظام القادم بعد التغيير لن يُشكّله سوى عمـلاء إسرائـيل وأمريـكا في المنطـقة!
صدق د مصطفى محمود حين قال ((إن مشكلتك ليست سنواتك التي ضاعت، ولكن سنواتك المقبلة التي ستضيع حتماً إذا واجهت الدنيا بنفس العقلية))