مداخلة على مقال طاهر المصري / طاهر العدوان

مداخلة على مقال طاهر المصري: المشكلة ليست في الدولة إنما في النخب السياسية والمالية
مقالة دولة طاهر المصري التي نشرتها صحيفة الغد يوم الاثنين ٢٢ شباط تحت عنوان ” مخاوف الاردنيين مشروعة ” تنضم الى سلسلة المقالات التي نشرها في العامين الماضيين وركز فيها على الأوضاع الداخلية ، وهي مقالات تكتسب اهمية كبيرة لانها احتوت على تحليلات عميقة لما يمكن ان يوصف في القاموس الإعلامي ( بالأوضاع الراهنة ) كما انها تضمنت تحذيرات في قالب النصح لاصحاب القرار ، والمثال هو عنوان المقال المشار اليه .

من خلال هذا المقال وما سبقه يقدم ابو نشأت نموذجا رائدا للنخب السياسية من الصف الاول على ما يمكن ان يقدمونه من مساهمات في قضايا الوطن بعد ان يتركوا مناصبهم الرسمية ، لأن غالبية هولاء يلوذ بالصمت ، بينما المطلوب ان يضعوا خبراتهم وآرائهم ومواقفهم تحت تصرف الدولة وامام الرأي العام من خلال التصدي بالتقييم والمتابعة والنقد للسياسات الداخلية والخارجية ، ومن المحزن انك تقرأ مقالات او تسمع كلاما في المنتديات تخرج عن هذه النخب ، فتجدها فقيرة كل الفقر من الرأي الشجاع او التحليل الموضوعي الجرئ ، انما كلام محشو بالمدائح وعبارات الولاء المكرورة ، وكأننا في مهرجان فرز بين موالاة ومعارضة للدولة وكأن لسان حال هولاء يقول لصاحب القرار من بعيد ( ها انا لا تنساني ) .

واعود الى ما حمله مقال دولته من مخاوف ومن ( نصائح ) لأهل الحكم واتفق معه فيما ذهب اليه من تحليل عن خطورة ما يجري وما يتم الإعداد له عالميا واقليميا من تغيير على خرائط الاوطان وتهجير الشعوب بالمنطقة ، وعن قوله باهمية ” الحاجة الى توافق وطني يجمع فئات المجتمع السياسية والاجتماعية ويجعلها تشعر بانها شريكة في القرار … “. واجد ان قيمة هذا التوافق الذي يدعو اليه كبيرة هذه الايام بمناسبة قيام مجلس النواب بمناقشة مشروع قانون الانتخابات الجديد ، وكنت أتمنى لو ان (ابو نشأت ) أشار صراحة الى هذا القانون في مقالته مقدما فيه الرأي الواضح من ناحية ان كان بالصيغة التي ورد فيها او التي سُيقر بها ، سيخدم ( التوافق الوطني ) كما يتصوره او يسعى اليه . واعتقد انه لو كانت هناك قناعة عند دولته بان القانون المطروح يحقق التوافق لما وجد الحاجة الى الدعوة اليه .

قانون الانتخابات في اي بلد ، يملك شيئا من الديموقراطية ، هو المرآة لصورة المجتمع وأحواله السياسية ، ومفاهيم التوافق الوطني في السياسة ارتبطت دائماً بصياغة قوانين الانتخابات ، وعندما تكون الحكومة غير منتخبة ولا تمثل اغلبية برلمانية فان مشروع القانون الذي تضعه يمثل فئات محدودة من الشعب لا كل الشعب . ولان مجلس النواب ، الذي يقر عادة مشروعها بدون إضافات جوهرية ، لا توجد فيه اغلبية توجه الحكومة ولا أقلية منافسه من المعارضة تراقبها وتحاسبها ، فان الجدال التنافسي الذي ينتهي بالتوافق بين الاغلبية والمعارضة يغيب عن عملية صياغة قانون يكتسب صفة ( العمر المديد ) ليحل مكانه قانون هو أشبه بورقه في مهب رياح الحكومات وتقلب اهوائها ومصالح من تمثل .

منذ اكثر من ثلاثة عقود لم تستقر البلد على قانون انتخابات ثابت لا من حيث عدد الأصوات ولا من حيث الدوائر وعدد المقاعد وكان عام ٢٠١١ مثالا لكيفية تغير مشروع القانون ١٨٠ درجة بين ليلة وضحاها مع تغير شخص رئيس الحكومة ، وهذا ما كان ليحدث لو كانت الارادة في التغيير تستند الى التوافق الوطني . لقد مر من التجارب ما يكفي للقول بان هناك لاعب واحد في مسألة صياغة قانون الانتخابات وهو الحكومة ومٓن خلفها او أمامها من مراكز القرار ، وان تمرير اي قانون باي صيغة هو امر سهل لانه لا يوجد على الساحة السياسية الاردنية قوى حزبية و نخبوية سياسية واقتصادية تقنع اصحاب القرار بانها تمثل تيارا مؤثرا في المجتمع لا يمكن تجاهله .. واقع الحال ان ما تواجهه الدولة هو فراغ سياسي داخلي ممتد وهذا امر لا تحمد عقباه للدولة ولا للمجتمع ، والدروس المستخلصة من الربيع العربي كثيرة لمن يريد ان يبصر ويتمعن .

غير ان المشكلة في تحقيق التوافق الوطني ليست في الدولة فقط ، مع الأهمية الريادية لدورها ومسؤوليتها ، انما بالوضع الضعيف للساحة السياسية ، وبهذا الصف الطويل من النخب ومن اصحاب المال والاقتصاد الذين صنعوا هذا الفراغ الوطني فلم يبادروا الى رعاية وتشجيع قيام تيارات سياسية واجتماعية منظمة تلتف حول أهداف وبرامج معلنة ،تطرح المسائل التي تستدعي التوافق الوطني ، وتعمل على تشكيل الأُطر العملية لحماية وحدة المجتمع والدولة ، وزيادة منعة الترابط الشعبي تجاه الاخطار القائمة والمحتملة . لانه بوجود مثل هذه التيارات يتم بالضرورة الوصول بالحياة السياسية الى قانون انتخابات يحقق التعددية في مجلس النواب على قاعدة الاغلبية والأقلية ، وبالتالي تشكيل الحكومة وفق برنامج الاغلبية وكل هذا ان حدث هو تجسيد للتوافق الوطني الذي ننشده والشراكة التي يتم الحديث عنها .

ليست المشكلة في الدولة ، لان الملك وضع من الناحية النظرية قواعد متكاملة للاصلاح الديموقراطي بافضل صوره من خلال اوراقه النقاشية ، ومثل هذا الاصلاح بالتالي هو من يفتح ابواب التوافق الوطني ويشيد حائط المناعة الوطنية . لكن ومنذ ٥ سنوات على طرح هذه الاوراق لم يتحرك شئ على الساحة السياسية ، لم نر مبادرات جادة لاقامة تيارات بوجوه قادرة سياسيا واجتماعيا وماليا على بناء ورعاية هذه التيارات للتأثير على الرأي العام وعلى السلطتين الحكومية والنيابية ، ليس فقط في عملية صياغة مواد قانون الانتخابات انما في خوض هذه الانتخابات . على ارض الواقع ( الكل ماله ومال السياسة ) والإدارة العامة بالنسبة للكثيرين هي بالأمنيات او بالاتكال على الاقدار ( سيري فعين الله ترعاك ). صحيح ان لا تغيير بدون ارادة الدولة وبدون ان تقود الدولة هذا التغيير لكن السؤال : الا يكفي ما جاء في أوراق الملك وما يذكره في خطاباته من ارضية لبناء التعددية ما يحفز أهل الشأن من المجتمع السياسي والاقتصادي للقيام بوضع مداميك هذه التعددية في اطار ديموقراطي يكون حاضنة للوعي الوطني السليم والتوافق الوطني الصلب خاصة وان جلالته أشار في كل ورقة من وإراقة الى ان التغيير يأتي اولا من المجتمع نفسه !؟.

وسط هذا الفراغ السياسي ، المسؤولة عنه النخب السياسية والمالية ، لا تعود هناك اهمية لان يكون قانون الانتخابات بالصوت الواحد او المئة ، ولا يضيف جديدا تغيير رأس الحكومة بآخر ، والامر ينطبق على مجلس النواب . كما ان النصائح لأهل الحكم لم تعد تجدي ، المجدي ان تشعر النخب السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية بمسؤولية البحث عن المساهمة في بناء تعددية من الاحزاب ( الجديد منها ضروري ) ومن التيارات التي تشكل اطارا شعبيا لطرح البرامج المتنافسة على خدمة الوطن والنظام الملكي وتمتين اواصر الوحدة الوطنية على قاعدة الرضى والقناعة .

مواجهة كثير من المخاوف المشروعة ليس بشراء شقق احتياط لمواجهة غوائل الزمان ، في دبي وإستنبول . انما في النظر بجدية الى مستقبل هذا الوطن وشعبه و استخلاص الدروس والعبر العظيمة من اهوال ما يجري حولنا، وأهمها ان يشعر المواطن بالعدالة والمساواة والكرامة ، وانه شريك بالقرارات التي تتعلق بشؤونه ومصيره . تجذير هذه المشاعر وترسيخها هو القوة الرادعة في ساعات الغفلة لكل فوضى او تخريب او او . وان وعي الناس وإحساسهم بالمسؤولية الوطنية ليست شيئا فطريا انما مسألة مكتسبة تصنعها المناخات والقوانين التي تنظم حياة مجتمعهم جاعلة من هذه المسؤولية امر مقدس .

taheraladwan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى