مخاطر «تصنيف الإرهاب» في سوريا تثير الحسابات والحساسيات بين كل الدول والأردن

قصدا تتجاهل السلطات الأردنية الحديث عن ملف «تصنيف» المنظمات الإرهابية في سوريا المتفق عليه مع بعض الأطراف وأبرزها روسيا.
ليس لأن عمان تريد أو لا تريد المشاركة في هذه المهمة المحفوفة بالحساسية والمخاطر. ولكن لأن العاصمة الأردنية تمضي في تفاعلها مع المشهد السوري تحديدا بين ألغام حقلية سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، وآخر ما ظهر منها على سطح الأحداث في نطاق تبادل التقييم وسط النخبة الأردنية هو سيناريو «أفغنة» الملف السوري.
وايضا لأن الأردن اتخذ من البداية مواقف علنية في مسألة مراكز القوى «الإرهابية» داخل سوريا وتجنب التصفيق لسيناريو إسقاط أو سقوط نظام بشار الأسد، ونادى بالحل السياسي لتسوية الوضع في الداخل السوري، وهو ما أشار له رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي وساسة كثيرون في أحاديث نقاشية مع «القدس العربي» وعدة مرات.
بالنسبة للمؤسسات الأردنية لا مجال إلا لإعلان الاشتباك مع «تنظيم الدولة» بالتوازي مع الحذر الشديد من نشاطات التورط ومراقبة الحدود مع العراق وسوريا، مع الحرص على مراقبة لصيقة ودائمة لبؤر التعاطف المحتمل داخليا مع «تنظيم الدولة ـ داعش».
هنا حصريا، وفي مساحة «داعش»، لا مخاطر من التصنيف لإن الاشتباك علني مع التحفظ المكثف على أية مقترحات لها علاقة باشتباك أو بعمليات «برية» داخل الأراضي السورية والعراقية.
في المكان المخصص لـ «جبهة النصرة» لا مجال أردنيا أيضا، إلا للحديث عن قوة متشددة أصولية لا يؤمن جانبها، ويمكن ان تتحول بأي لحظة لقوة خطرة وعدائية ضد الأردن، مع فارق بسيط يتعلق بحرص «النصرة» والنشطاء الجهاديين الكثر المناصرين لها في المجتمع الأردني السلفي على إدامة التذكير بأن «جبهة النصرة» لم تعلن الأردن «ساحة عمل جهادية» ولم تقم بأي استفزازات على طول الحدود الأردنية ـ السورية، ولديها «أولويات واضحة» تتمثل في التخلص من النظام الدكتاتور في دمشق، كما يقول صراحة محامي التنظيمات الجهادية موسى العبداللات.
التصنيف سواء كان أردنيا أو «روسيا» أو دوليا هنا مهمة ملتبسة في قياسات الأردنيين يفضل عدم الخوض فيها من دون إسقاطها وتوظيفها سياسيا، فقد لاحظ برلماني عتيق بأن مندوب الأردن في اجتماعات فيينا امتنع قصدا عن المشاركة في حفلة التصريحات «العربية» التي تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد، وحصل ذلك على الأرجح لأغراض حماية الاستراتيجية النشطة للتقارب مع موسكو. والتصنيف بالمعنى المباشر غامض ومحفوف بمخاطر الحسابات والكلف عندما يتعلق الأمر بفصائل ومنظمات إسلامية متعددة في الميدان السوري، يعلم الأردن بأن كلا منها مدعوم من دولة إقليمية أو عربية لأغراض إدامة الصراع، هنا حصريا يمكن ان تختلف حسابات الأجندات وتظهر مؤشرات الزحام.
في مستجدات «الزحام المعلوماتي الاستخباري» بين مراكز الثقل الدولي والإقليمي داخل الميدان السوري ثمة «ملاحظات» مثيرة لمجسات المنصة الأردنية التي تعتبر نفسها بين الدول الأكثر خبرة، ليس فقط في جنوب سوريا ولكن أيضا ـ وهذا الأهم ـ بالمنظمات «الإرهابية والجهادية» بالجوار والمكان.
أهم الملاحظات الطارئة ان الولايات المتحدة الحلـيف التقليدي للأردن بدأت تزاحم وتضيق ذرعا باستراتيجية البقـاء الطـويل والعسكري الثـقيل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا وحزام المنطقة، إسـرائيل أيـضا لا تـبدو متحـمسة جدا، وبعض المؤشرات من واشنطن بدأت تبـرز على ـشكل مواقف سياسية للاستهلاك في الغرف الدولية من واشنـطن، تقـابلها اخـتراقات أو محاولات اختراق في الميدان داخل سوريا، تتضمن الإبقاء على خطوط «التسليح والتزويد» لبعض المجموعات المسلحة مع رسائل خاصة لدمشق وموسكو من طراز العملية الجوية الأخيرة التي هاجمت باسم التحالف الدولي معسكرا للجيش النظامي السوري في دير الزور.
أمريكا بدأت في الحسابات الأردنية الدقيقة تكيل بمكيالين في الملف السوري، ولدى المؤسسات الأردنية اليوم من مؤشرات ومستجدات ما يفيد بأن واشنطن قد تسمح لبوتين بالاسترخاء في سوريا من دون «أن يمدد رجليه» في المنطقة والعراق وحتى في الأردن، كما يرى رئيس سابق للوزراء في عمان.
لذلك يبدو صعبا على الأردن القبول بكلفة مهمة «تصنيف الإرهاب» في سوريا وسط حالة الاستقطاب الدولي والإقليمي المتجاذبة بحدية هذه الأيام، ويبدو صعبا بالتوازي الإدعاء بالقدرة الفعلية على مغادرة مهمة التصنيف سياسيا، أو عندما يتعلق الأمر بالتعاون الأمني المعلوماتي مع مراكز التحالفات الدولية لمحاربة الإرهاب سواء كانت روسية أو أمريكية.
لـذلك يتـعامل الأردن مع كـل الأطــراف و»يتــحدث مع الجــميع» على أمل حسم أي خطة او مشروع توافقي يمكن ان يخلص المنطقة من تصدعات الحسابات والأجندات، الأمر الذي لا يحصل حتى بتقدير وزيرالخارجية ناصر جوده وقـد يستـمر بـ»عدم الحـدوث».

بسام البدارين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى