ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الثالث عشر

ماذا حدث بالقاهرة سنة 88…الجزء الثالث عشر

بقلم #فراس_الور

كان الملازم محمد عبدالتواب يعمل في قسم بحوث مخبرية خاص تابع للجيش #المصري، و كان هذا القسم في منشأة سرية كبيرة تحت الأرض مكلف ببحوث نوعية لها علاقة بالأحياء الدقيقة و امكانية تطويرها لصنع منها اسلحة بيولوجية متطورة، كان يرمز له بكلمة ميلاب، و هي اختصار لميليتري لاب بالأنجليزية، و كان محمد من اكفأ الموظفين الذين يعملون بالقسم حيث ضم عشرين من المختصين بشؤون الفحص المخبري و عشرة من حملة الدكتوراة و المختصين بعلم الأحياء الدقيقة، كان القسم يتبع اداريا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة و لكن عمليا كان يديره شخصيات عسكرية متخصصة بالأحياء الدقيقة ، فكانت بحوثه جميعها طي الكتمان و لا يعلم بها الا المجلس الأعلى و كادره المتخصص و بعض من المتقاعدين من المجلس الأعلى للقوات المسلحة،

كان محمد رجل في الثلاثين من العمر ذو جسم بنيته رياضية، و كان طويل القامة مفتول العضلات و عريض المنكبين، كان ذو بشرة سمراء و وجه وسيم ودود الملامح ابرز ما فيه عينين سوداء و شعر اسود كثيف، كان يتمتع بشخصية محبوبة بين زملائه فكان صاحب نكنة و ابتسامة عريضة جعلته نجم الجميع المحبوب، فكان ما يلبث ان يدخل اي قسم حتى يلتف زملائه من حوله ليتحدثوا معه، تقلد محمد العديد من اوسمة الإنجازات خلال مشواره الطويل بمجال عمله فكان من الشخصيات المثابرة و قد عمل على تحديث اجهزة المختبرات بقسمه بصورة مستمرة، كان يحمل بكالوريوس بمجال عمله و قد اثبت جدارة عالية لدى مدرائه لدرجة ان اسمه ترشح في اكثر من مناسبة ليكون مدير للمختبرات بالجيش بالكامل، و لكن الحظ لم يحالفه كثيرا، فكانت النقيب و الدكتورة عصمت عبدالمجيد هي من تم اختيارها لهذا المنصب فكانت منافسة قوية له، و لكن لم تمنعه هذه الظروف من المواصلة بإثبات نفسه بالعمل فاستمر الى ان اصبح الساعد الأيمن لعصمت و نائبا لها بمباركتها،

مقالات ذات صلة

امسك الملازم محمد انبوب المختبر الذي كان على طاولة الفحص امامه، نظر اليه بإستغراب مفكرا في ذاته عما رآه بالمجهر بالأمس و هو يفحص عينة منه، كان الأنبوب يخص المريضة رانيا يوسف محمود المعاطي الراقدة بمستشفى #الإسكندرية العسكري، و كان طبيبها بصدد اجراء فحوصات دم شاملة لها الى ان اكتشفت مختبرات المستشفى وجود عنصر غريب بدمائها، فتم تحويل عينيات الدماء لقسمهم بالسر للمزيد من الفحص و التحليل، تم هذا حينما اخطر الطبيب ادارة الجيش بنتيجة فحص عينة الدماء، فطلبوا منه عينة الدماء كاملة ليتم اجراء فحصوصات دقيقة لها، و اثناء تحليل دمائها اكتشف ما لم يكن بالحسبان، ان الدماء ملوثة بمادة غريبة جدا شك بأمرها كثيرا، كان لديه حدس مهني بما عساها ان تكون و لكن كان عليه التأني الى حين التأكد من الأمر، كان نشاط دمائها طبيعي جدا ما عدا هذه المادة التي كانت لون خلاياها زرقاء و حجمها اكبر قليلا من خلايا الدماء، كانت سابتة بين خلايا دمائها من دون اي نشاط ملحوظ و كانت تعيش مثل سائر خلايا الدماء في الدورة الدموية لجسدها،

فجأة دخل عليه زميله الملازم محسن الحريري و بين يديه مجموعة انابيب كانت تحتوي على عينيات للدماء، وضعهم بوعاء على مكتب قريب من محمد قائلا “بالأمس شاهدت فيلم اجنبي، كان رائعا جدا،

اهتز محمد في مكانه من الخضة فكان المختبر ساكنا من دون صوت حينما دخل زميله عليه،

قال محمد بصوت عالٍ و هو يمسك صدره “بسم الله الرحمن الرحيم!”

اجابه محسن ضاحكا “انا آسف، هل خضضتك يا زميلي؟”

“لا بل افزعتني!”

“انا آسف، لم اقصد،”

“المكان ساكن من دون حراك، و فجأة سمعت صوتك، بسيطة، ما هي قصة الفيلم؟”

“اين بقية الزملاء، ارى المختبر فارغا؟”

“شاهيناز في عطلة اليوم، فرح شقيقتها آيتن، و سامح مشغول مع عصمت عند الإدارة العليا للمختبرات، واسطات يا سيدي، ناس بالسمنة و ناس بالزيت، سرعان ما سيعودان،”

اقترب منه و هو يسكب كوب ماء من زجاجه كانت قريبة منه “اسمه إيْـلِـيَـنْ للمخرج الكبير رِدْلي سكوت، او كائن الفضاء،”

خلع  محمد القفازات البلاستيكية التي كان يرتديها و شرب بعض الماء، ثم اكمل و هو يأخذ قفازات جديدة من علبة كانت على مقربة منه، “انت قديم يا محسن، اسمع عن هذا الفيلم منذ فترة طويلة، و لكن لم يتسنا لي مشاهدته،”

“يا سيدي، قديم او جديد كان ممتع للغاية، كان عن رحلة قام بها مجموعة الى الفضاء و وجدوا بدربهم سفينة فضائية، و كان على متنها كائن فضائي شرس تواجهوا معه، كان يسيل منه لعاب و يسري بجسده سوائل تذيب كل المعادن، فيلم رائع جدا،”

تنهد محمد و هو يسحب بعض من الدماء من الأنبوب بحقنة “هذا خيال علمي، كاتب هذا العمل عنده خيال كبير و غريب،”

“يجب ان تشاهده يا زميلي العزيز،” كان محسن رجل بالثلاثين من العمر قصير القامة و ذو بشرة بيضاء، كان بدين و ذو وجه دائري بسبب شحوم في اسفل الرقبة و الذقن تعطيه اطلالة براءة طفل صغير، كان حديث التعيين بقسم المختبرات السِري فلم يمضي على صدور امر تعينه سوى شهر واحد،

“انا اهوى الافلام الرومنسية اكثر، يعني مثلا أُفَضِلْ افلام الأبيض و الأسود لفاتن حمامة، انور وجدي، ليلى مراد…”

قال محسن بلهجة ساخرة “و تهوي وضع المحارم بجانبك و البكاء طوال الفيلم و تجفيف الدموع المنهمرة من عينيك على المشاهد الرومنسية الحزينه، انت تهوى النكد يا محمد،”

وضع محمد بعض من قطرات الدماء على لوح زجاجي صغير ثم وضع فوق العينية لوح زجاجي صغير آخر و قال ساخرا من كلام محسن “يعني احسن من الكائنات المرعبة التي تتابعها يا محسن، يا ساتر، كيف تستطيع ان تنام؟”

اجاب “يا سيدي كل و له ذوقه، انا اهوى افلام الخيال العلمي المرعبة،”

وضع محمد الشريحة الزجاجية تحت المجهر الكهربائي، ضبط عدساته الى القوة المناسبة و اجاب “اذهب و ارتعب بمفردك، دعني و افلام الرومانس نتفاهم مع بعض، فهي تشبهني،”

نهض محمد من مكانه و ذهب نحو هيكل عظمي كان معلقا داخل برواز خشبي صغير بجانب جدار بالقرب منه، كان هيكل عظمي حقيقي فوقف خلفه و قال ساخرا “انا كائن فضائي مخيف، سأتي اليك بعتم اليالي و اقبض روحك، انا مرعب جدا، حذاري و ان تنام بمفردك في غرفتك يا محسن، اتيت من المريخ خصيصا لأنقض عليك،” خرج محمد ضاحكا و قال “خيال مخرجين يأكلون بعقلكم حلاوة،”

ذهب محسن الى باب الغرفة الذي كان على مسافة منهم، وضع الرقم السري على لوحة مفاتيح صغيرة بجانب الباب ففتح، قال و هو يخرج ضاحكا “يا عيني على الرومنسي ذو القلب الحساس المرهف،”

عاد محمد الى مقعده خلف طاولة الأجهزة الطبية، نظر من خلال منظار المجهر الى عينة الدماء، كانت خلايا الدماء طبيعية ما عدا الخلايا الزرقاء التي شاهدها بالأمس، كانت لاتزال ساكنة من دون نشاط خاص بها بجانب الخلايا البشرية، كانت تتكون من نواة كباقي الخلايا و لكن باقي مكوناتها كانت غريبة عن طبيعة الخلايا البشرية، فكر في ذاته “اكاد لا اصدق ما ارى؟ من اين اتتك هذه الخلايا الغريبة يا رانيا؟” كان يسبح حول نواتها كائنات دقيقة لم يتمكن من رؤيتها بواسطة المجهر، و لكنها كانت سريعة الحركة،

نهض من مكانه و ذهب الى مكتبة صغيرة كانت تتكون من خمسة ارفف، فتح بابها الزجاحي و أخذ مرجعا من مراجعها الكثيرة و طالع عنوانه “معجم خلايا الكائنات الحية،” فتح الكتاب و بحث بالفهرس عن باب يتعلق بغرائب الكائنات الحية، فكان متأكد انه قرأ باب يناقش شيئ قريب مما كان يراه منذ فترة اثناء مطالعته للمعجم بالصدفة، فجأة وجد باب يتحدث عن خلايا شبيهة بالذي رآها بالمجهر، شرح المعجم عنها بأنها وجدت بين حطام مكوك فضاء شالنجر-11 الذي تحطم اثناء اقلاعه من قاعدة امريكيا بعام 1986، فاثناء البحث عن بقاياه التي سقطت على الأرض عُثِرَ على بعض من حطام غرفة القيادة، و كانت مادة زرقاء غليظة الملمس ملتصقة ببعض اجزءاها غير متأثرة بنيران الأنفجار، و حينما تم تحليلها حينها وجدوا انها لا تتطابق مع خلايا انسجة اية كائنات حية على الأرض او حتى بتاريخ الكائنات التي عاشت على الأرض بالماضي، كانت هذه المعلومات سرية للغاية و غير متوفرة الا ببعض المعاجم التي توفرها ادارة الجيش الأمريكي لأقسام بحوث على تواصل معها حول العالم، افاد المعجم ان المادة كانت تتألف من خلايا زرقاء لها نواه ساكنة و لاحظ العلماء حينها انه كان هنالك كائنات دقيقة تسبح حول نواتها، لم تستطع كوادر المخبترات الأمريكية بجلالة قدرها المعلوماتي معرفة اي شيئ اضافي عنها و لكن شك بعض العلماء انها قد تكون احد اسباب انفجار المكوك، و بأنه من الجائز انها علقت بأجزائه اثناء آخر رحلة له على القمر، و احتوى الباب على بعض من المعلومات الغير معلنة للرأي العام، فكانت هنالك اشارة الى وجود فترة سكون غير مبررة في الإتصالات بين مكوك الفضاء قبل انفجاره بدقيقة و بين غرفة قيادة العمليات الأرضية، و حينما عاد الإتصال فجأة سجل صراخ بغرفة قيادة المكوك حيث كانت في حالة فوضى،   

نظر محمد الى عينة الدماء التي امامه، لم يصدق انها تطابق المعلمومات المتوفرة بالمعجم، ماذا جرى بمكوك الفضاء قبل انفجاره، و كيف وصل الى جسد رانيا و لوث دمائها، ذهب الى مكتب صغير كان تابع لعصمت مديرته و هو متوتر من الذي اكتشفه، و اتصل برقم القيادة العليا للمختبرات السرية، اجابه مسؤل بالمكتب “ألو نعم،”

قال بصوت يرتجف من الخوف “ارجوك اريد التكلم مع النقيب عصمت عبدالمجيد اذا كانت لا تزال بمكتب الباشا!”

“مع الأسف خرجت منذ نصف ساعة مع مرافقها،”

“شكرا،”

اجاب الصوت “من المتصل؟”

“انا الملازم محمد عبدالتواب من قسم المختبرات السرية 4، هل استطيع التكلم مع الباشا”

“سأوصل له الإتصال ان كان غير مشغول، انتظر على الخط لدقيقة لو سمحت،”

انتظر محمد و جسده يرتجف من الخوف اجابت اللواء سامي السريطي المدير الاعلى للمختبرات السرية على مكالمته، نظر الى عينة الدماء برعب كبير فكان يعلم ان مختبراته غير مجهزة إطلاقا للتعامل مع الكائنات الغريبة، لم يكن عنده يقين باي شيئ و انتظر لأخذ تعليماته من القائد الاعلى لجهازه الطبي، مرت الثواني كالساعات و هو ينتظر ليجيبه احدهم فشعر بضيق تنفس نتيجة التوتر الذي زلزل جسده، اجاب صوت اخيرا،

“حضرة الملازم اهلا و سهلا بك، بماذا استطيع مساعدتك،”

ارتجف صوته بشدة بالغة و هو يتكلم “باشا لا اعلم من اين ابدأ و لكن لدي كارثة بالمختبر 4 الكائن بمنطقة القاهرة،”

“اهدأ يا حضرة الضابط، اهدأ و قل لي ماذا هنالك،”

“باشا اتتني عينة دماء لمريضة اسمها رانيا يوسف محمد المعاطي، يذكر ملفها انها زوجة للضابط احمد عبدالسلام من شرطة الإسكندرية، كانت العينة ملوثة بمادة غريبة عجزت مختبرات مستشفى الإسكندرية عن تحديدها، فتحول ملفها و عينات الدماء جميعها الى مختبراتنا،” فجأة دخل محمد بنوبة رعب و صرخ “انا حايف يا باشا!!!”

“تحلى بالشجاعة و قل لي ماذا اكتشفت بأمرها،”

“دماء المريضة ملوثة بدماء زرقاء، خلاياها عير بشرية و تعود لكائن ما غير ارضي، و فجأة حينما بحثت بالمعاجم الطبية اكتشفت ان مخبترات ادارة الفضاء الأمريكية وجدتها بين حطام مكوك الفضاء شالنجر 11 الذي انفجر في الهواء بعام 1986، كانت ماتزال حية بين الحطام رغم الإنفجار الهائل للمكوك، هنالك بلاغ بالمعاجم الطبية عنها،”

“اريد تقرير كامل عن نشاط هذه المادة، قد نضطر للتواصل مع ادراة الجيش الأمريكي بخصوصها بما ان هنالك تعميم عنها،”

“المشكلة ليست بادارة الجيش الامريكي، المشكلة كيف وصلت الى جسد المريضة رانيا!!!”

“يا حضرة الملازم انت بالصورة عن ما حصل بالإسكندرية مؤخرا و عن الأحداث المريبة التي شهدتها مصر مؤخرا، كل شيئ ممكن بعد الذي رأيناه بالإسكندرية، تقوى و تحلى بالشجاعة و اكمل بحثك عن المادة و ارسل للدكتور عصمت نسخة منه و نسخة الي شخصيا، اريد نسخة من صفحات المعجم التي تحتوي على معلومات عن هذه المادة،  ”   

فجأة سقطت السماعة من يده على المكتب، شعر بأن المادة التي وضعها في المجهر بين الشرائح تتحرك، نظر اليها بتمعن عن بعد فكانت هنالك نقاط تسقط منها على الطاولة، صرخ الباشا من سماعة الهاتف “الو!!! الو!!!” و لكن محمد كان ينظر برعب الى عينة الدماء، اقترب من المجهر بحذر شديد و نظر من المنظار  و النقاط تتوالى من المجهر على سطح الطاولة، صدم من منظر الخلايا الزرقاء و هي تنشطر و تتكاثر بسرعة كبيرة، ابتعد قليلا عن عين المجهر و فرك عينيه غير مصدق لما كان يرى، نظر مرة آخرى في المنظار فرآى الخلايا الزرقاء تتكاثر حول خلايا الدماء الحمراء و تأكلها، ابتعد عن المجهر و نظر الى الشرائح الزجاجية تحت المجهر، تحول لونها الى الأزرق و فاضت بكثافة على قاعدة المجهر و على المكتب من حوله، ارتفع دخان من على المجهر فكانت المادة تحرق معدنه بقوة، ارتبك محمد و التقط الشريحة باصابع يديه و لكن سرعان ما اخترق السائل القفازات و حرق جلد يديه، صرخ موجوعا من شدة الألم و حاول الوصول الى باب الغرفة الذي كان مغلقا، و لكن قبل ان يصل شعر بشلل بساعديه و ساقيه، اجتاحت آلآم كبيرة جسمه بالكامل فصرخ قائلا “ساعدوني!”

توالت نداءات الباشا على الهاتف “محمد!!! ماذا يحدث عندك!!! لا تخف!!! ستكون عندكم قوة من الجيش فورا!!!” حاول الوصول الى سماعة الهاتف على المكتب و لكن الشلل و الآلآم منعته من تحريك ساقيه، فعرج بضعة خطوات نحو المكتب ثم سقط على الأرض و هو يصرخ من الآلآم، “باشا ان كنت تسمعني بالسماعة المادة يا باشا حرقتني!!!”

فجأة دخلت عصمت الى الغرفة قائلة “ما المشكلة!”

صرخ محمد و هو يتلوي من آلآم الحرق على الأرض “عينة رانيا يوسف المعاطي!!! فيها مادة زرقاء تمددت و فاضت من على الشرائح و احرقت المجهر و يداي!!!”

هرعت اليه عصمت و لكنه صرخ قائلا “ابتعدي عني! هنالك شيئ مرعب يحدث مع هذه المريضة!!!”

فجأة تدفقت سائر الدماء الزرقاء من على المكتب و سقطت على الأرض، سارت الدماء الزرقاء من على الشريحة بين يديه و اتحدت مع الدماء التي سقطت من على المكتب و سارت بخط عريض و مستقيم نحو الهيكل العظمي بالقرب منهم، شعر محمد بآلم كبير في جسده فصرخ قائلا “جسدي يؤلمني!!! لا اريد لاحد ان يقترب مني!!!”

نظرت عصمت مذعورة الى المجهر، كان الدخان يتصاعد منه و من المكتب الذي كان عليه فكان يحترق بالكامل، نظرت الى الدماء الزرقاء التي تدفقت كلها نحو الهيكل العظمي، اقتربت من محمد بحذر قائلة “لن أَرُدً عليك، سأنقلك الى طوارئ اقرب مستشفى!!!”

صرخ محمد “ابتعدي عني يا عصمت، هنالك شيئ غير طبيعي في جسدي!!!”

ركعت بالقرب منه و سألت صارخة و هي تنظر الى الهيكل العظمي “ما هذه المادة الزرقاء يا محمد!!!” نظرت اليه و اكملت “و ماذا حرق المجهر و المكتب، ماذا حدث معك يا محمد!!!”

اجاب بصوت ضعيف و مرهق “هنالك دماء مريبه في داخل جسد رانيا المعاطي، لا اعلم كيف وصلت اليها و لكن اثناء فحصي للعينة ابتدأت خلاياها الغريبة تتكاثر و تأكل خلايا الدم الحمراء، ثم فاضت من المجهر و احرقتني و احرقت الاثاث من حولي!!!…مكوك الفضاء شالنجر…انظري المعجم!!!”

مكث محمد من دون حراك منهك القوة، كانت عينيه تتحرك بسرعة الى اليمين و الى اليسار و سط صراخه المستمر، فجأة ارتفعت الدماء الزرقاء الى الأعلى حول الهيكل العظمي و كونت ما يشبه شرايين جسدية، تكاثرت خلال ثوان معدودة و كونت شبكة شرايين كاملة غلفت الهيكل بالكامل، ابتعدت عصمت عن الهيكل خائفة من الذي كان يحدث بمختبرها، صرخت مذعورة و هي ترى الهيكل يحرك يديه و ساقيه و كأنه كائن خي، ارتفعت يده اليسرى الى الأعلى و قطعت السلسال الذي ربطه بالبرواز الخشبي فسقط واقفا على الأرض، توجه الى المكتب الذي كان يحترق و امسك بأنبوب مختبر كان عليه اسم رانيا، فتح فاه و شرب من الأنبوب فسقطت الدماء الى جوفه، فجأة ابتدأت طبقات العضل و اللحم تتكون حول شرايين الدماء فأصبح يشبه انسان حي، و لكن نموه لم يكتمل فكان ينقصه طبقات الجلد،

صرخت راينا مذعورة و الكائن ينظر اليها، كان رأسه مليئ بالأربطة العضلية و طبقات لحم و كان ينقصه عينان، قالت له “ارجوك ابتعد عني!!!”

سار نحو محمد و ركع بجانبه، حرك يديه نحو جسده و ابتدأ بنزع جلده، صرخ محمد من شدة الألم و الكائن يمزق جلده رويدا رويدا، اخذ الكائن قطع الجلد و لصقها على رأسه و اجزاءا من جسمه، تحول صراخ محمد الى عويل و الكائن يعذبه، صرخت عصمت “متن انت!!!” فقال لها الكائن بصوت خشن ترك اصداءا بالغرفة “انا عزرائيل الجان الأزرق!!!”

جرت عصمت و هي تصرخ نحو الباب “النجدة!!! النجده!!!”

مكث محمد من دون روح على الأرض، اكمل الكائن سلخ جلد محمد الى ان غطته ملامح بشرية بالكامل، نزع اللباس العسكري الملطخ بدماء ضحيته و ارتداه، اتجه نحو الباب و ادخل الرمز المطلوب ففتح الباب امامه، كان هنالك ممرين طويلين واحد على يمينه و الآخر على يساره، سمع وقع اقدام و صرخات لقوم كان يتجهون الى الغرفة من اليمين فآخذ يساره و اتجه نحو مصاعد كانت في آخر الممر، فجأة غلفته ألسنة نارية فعلم ان الساحر يطلبه، سمع صوته يتخاطر معه و يأمره “أشرس، اذهب و ادخل على عروسك رانيا، انها بالمستشفى العسكري!!! اريدها خادمة لي!!! انها عروسك و منها سيأتيك ذرية لك!!! ملك الجان طلبها!!!”

_________________________________

جلس الساحر في وسط الكهف الكبير الذي اعتاد التردد عليها من حين لآخر، كان كهف كبير محفور في اسفل سلسلة تلال جبلية في وسط صاحري سيناء، كان مزويا بعيدا عن المدن و خط سير العربيات في عمق اراض رملية جافة و حارة، فكان هذا هو المطلوب كي لا يجد سبيله احدا، لم يحتاج للسفر اليه وقتا طويلا فركب سجادة سحرية كان قد وجدها في الكهف منذ بضعة شهور بالصدفة، و سافر بواسطتها بعتم الليل بعد ان داهمت بيته شرطة القاهرة بالأمس، و اقلع بها في السماء على مسافة ليست بعالية من اليبس كي لا يتجمد من برد السماء و هواءها، كانت سجادة طولها مترين و عرضها متر و نصف و كانت مسحورة بتعويذة لساحر كان قد عاش بالقرن الثامن عشر في صحاري سيناء بعد ان نفته الدولة العثمانية الى الكهوف البعيدة، فبعد ان شك بأمره درك القاهرة اوقع عليه عقوبة النفي فكانوا يظنون انه سيموت من السفر بها لإعتقادهم انها صحاري كبيرة، فحينها العالم بحدوده الحالية لم يكن معروف تماما، و لكن خدامه من الجان اوصلوه الى الكهف و اعتكف به لفترة الى ان نسيه الدرك في المدينة، تعرف بعدها بفترة على قرية على شاطئ سيناء كان اهلها من الصيادين البسطاء، و ابتاع ما احتاج من طعام من هذه القرية ليستطيع العيش بها الى ان مضى على امره سنتين،  

عاد بعدها الى القاهرة متخفياً بهوية تاجر للأقمشة و فتح دكان كبير بوسط المدينة و ابتدأ بتجارة نشطة بنت له اسماً كبيرا مع مرور الاشهر، فعرف بالحاج اسماعيل القَمًاشْ نظرا لسمعته التي انتشرت بكافة ارجاء القاهرة، زار دكانه النساء من كافة مناطق المدينة و اشتروا ما طاب لهم من قماش كان يأتيه من بلاد الهند و الصين و الحبشة و بلاد مكة و الحجاز و بلاد فارس، فكانت قوافله امام اعين المارة بالقاهرة و ضواحيها ترتحل على مدار السنة بإتجاه تلك البلاد البعيدة للتجارة، و لكن لم يكن يعلم احدا انه ما إن توقفت قوافله بمنتصف الصحاري حتى يضع الجان القماش بعد سفره لتلك البلاد امام قافلة جماله بشتى انواع البضاعة الفاخرة، و لم يكن يعلم احدا ان تجارته ستار لممارسته للسحر و الشعوذة و لطمعه للمادة،

جمع اسماعيل اموال طائلة من تجارته التي سرعان ما فتح لها افرع بشتى ضواحي القاهرة، فخدم معظم احيائها و حاراتها السكنية، و ذاع صيته بأنه مبروك يصلي الصلاة في مواعيدها و يستطيع فك الأسحار و الاعمال عن الناس، و الذي زاده سمعة و صيتا بناءه لعدة مساجد في الدولة العثمانية، فاتاه القاصي و الداني ليفك الأسحار و الأعمال عنه و ليتداوي من سوء الحظ و التعثر بالتجارة، فكانت احجبته التي يصنعها بركة يتفائل بها أُناس كثيرون،

جلس الساحر امام منقله في وسط الكهف متفكرا بالأمر، فطابت له الفكرة خصوصا بعد ان فُضِحَ امره في شرطة الإسكندرية و القاهرة، فتيقن ان جهاز الأمن المصري لن يترك حارة او زاوية او شارع الا و سيبحث بهم عنه، فقال في ذاته “القاهرة في قرن الثامن عشر ملاذي لأتمام مهمتي لأيجاد كنوز الملكة، فسأكون بعيدا عن الأعين و سيساعدني القماش من دون شك فهو من نفس صنفي يهوي الغنائم و المال و القوة حيث ما وجدت، و خدامه سيخدمونني لأنهم من الزرق و نفس جنس خدامي، و سرعان ما سأعود الى صفوت باشا و الكنوز بحوزتي، و ساتمم وعدي الذي جُنِدْتُ لأجله، سيتغير التاريخ و لكن هذا حسن، فسَيُكْتَبْ عن امبراطوية صفوت الجندي و حكمه لمصر في عام 88، “

وضع بالمنقل الكبير حفنة من الرمال البيضاء، هاجت النيران بقوة، امسك ورقة كان قد كتب عليها اسم اسماعيل القماش و رقم الثامن عشر، وضعها بالنار فهاجت اكثر و اصبحت السنتها بعلو متراً كاملاً، قال أمرا “احماد…مقاتل…!!! PORTAE TEMPORIS!!!*”  فجأة اشتعل امامه عامودين كبيرين  من النيران انارا منطقة الكهف الكبير بأكمله، تراقصت ألسنة النيران امامه و قال احدهم بصوت خشن و جهوري “اوامركم مطاعة!”

هاجت ريح عاصفة داخل ارجاء الكهف الضخم، كانت شديدة لدرجة ان جلباب الساحر اهتز بعنف، امسك عمته التي كادت ان تتطاير وسط الريح القوية، صرخ صوت آخر جهوري و كأنه يأمر أحدهم “الأبواب!!!”

فجأة تحرك الى الوراء باب ضخم كان مخفيا بجدار الكهف الكبير، كان كبيرا يتسمع لمرور اربعة اشخاص، كان مظلما من الداخل، قال الساحر آمرا “*CLAUDE OSTIUM POST ME!!!”

سار الساحر وسط الزوبعة العنيفة التي نشرت الأتربة و الرمال من حوله، رد الجان طائعين لآومره ” AUDI ET OBEDIRE DOMINE!!!*” و هو يهم بالدخول وسط الظلام الدامس، اخذ خطواته بحذر فكان يدوس على اتربة و حجارة صغيرة وسط ما شعر بانه نفق بارد جدا، هاجت الريح من حوله بشدة كلما سار بالعمق فشعر ببرد قارص اقشعر له جسده، ارتجف و هو يسير الى الأمام بعزم شديد فكان يقاوم العاصفة مع كل خطوة يأخذها، سار نحو خمسين مترا وسط الرياح الشرسة الى ان سكنت فجأة من حوله، فجأة لمع ضوء ساطع امامه، سار بحذر بإتجاهه آملا انه منفذ نحو زمن آخر، ابتسم حينما رأى اشعة الشمس تسطع اكثر و تنير النفق من حوله، جرى بعزم اكبر الى ان وقف عند مخرج النفق، نظر من حوله فكان نفس الكهف الذي كان به، و لكن لم يرى منقله و اغراضه الذي سافر بها من السيدة زينب الى سيناء، فعلم ان الزمن قد تغير، شعر بشيئ يهتز بجيب جلبابه، ادخل يده و فتش بها، اخرج كيس بحجم قبضة يده،  فتحه فبرقت تحت اعينه الدراهم الذهبية، فعلم ان خدامه قد زودوه بمبلغ كبير لإتمام مهمته…يتبع،  

*ترجت الكلمات اللاتينية

PORTAE TEMPORIS  و تعني الأبواب الزمنية

CLAUDE OSTIUM POST ME  و تعني اغلق الأبواب

AUDI ET OBEDIRE DOMINE سمعا و طاعة يا سيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى