ليلة العيد


#ليلة_العيد
تغيّرت الدنيا وأعيادها فهل نستطيع أن نستعيد العيد ؟؟

#منى_الغبين

أحاول عبثا تعليم اولادي.. أغنيتنا ونحن صغار ليلة العيد (( بكرا العيد ونعيّد , ونذبح بقرة السيّد , والسيّد مالو بقرة ………. واليوم العيد يا لالا , ولبست الجديد يالالا , فستان مكشكش يا لالا عالصر مرشرش …….. ) يضحك منّي الأولاد قائلين ماما نحن أولاد ولسنا بنات ……. والحقيقة أنّ مثل تلك الأغاني ليست مرفوضة الآن لأنّها أغاني بنات , ولكنّها جزء من طقوس وتقاليد للأعياد أصبحت من الماضي فلا تستسيغها هذا الأجيال أو لا تعرفها , فما أبعد الفرق بين الليلة والبارحة , ويالله كم يمرّ الزمن سريعا فتتغيّر الدنيا من حيث لا نشعر …..

تعود بي الذكريات إلى أيام الطفولة عندما كنت في مثل سنّهم حيث كانت أمّي تحتفل بالعيد احتفالا لا يشبهه احتفال , فمن ترتيب البيت بأثاثه المتواضع , وفرشه بأزهى الألوان , وعمل حلوى العيد من المعمول والغريبة , وصوت أم كلثوم يصدح ( يا ليلة العيد آنستينا ….. ) , وتصفّنا من الأكبر للأصغر فتحممنا دلكا وفركا وعرقها يتصبب وابتهاجها بأولادها التسعة يجعلها لا تشعر بالتعب , ثمّ تقوم بتلبيسنا بيجامات جديدة ففي العيد واستقبال العيد كلّ شيء جديد ……. ثم تطلب منّا النوم لنقتل الوقت به فلا نفيق إلاّ على هذا القادم المحبوب الجديد الذي اسمه عيد …. نتناوم ونحن نراقبها لنرى أين ستضع ملابسنا الجديدة التي سنلبسها صبيحة الغد , فيسرقنا النوم فلا نستيقظ إلا صباحا على رائحة القهوة السادة والهيل , فنتقافز فرحا بهذا اليوم فنقبّل يدها , ونهرع بسرعة إلى ارتداء تلك الملابس الجديدة التي رتبتها مساء بشكل أنيق …….. الأولاد لهم المسدسات مع فشكها الأحمر ( أبو دخنة ) والصفارات والزمامير , وللبنات الحقائب الصغيرة الملونة , وشكلات الشعر بمختلف الألوان , ولعبة تشبه باربي بسيقان طويلة ……….

ننتظر قدوم والدنا من الجيش وفي أحيان كثيرة لا يتمكن من الحضور فقد كانت الدنيا غير الدنيا ,والمسؤوليات غير المسؤوليات , والانتماء غير الانتماء , والرجال غير الرجال ……

كانت الفرحة بالعيد لا تضاهيها فرحة , فهو يوم الزيارات والهدايا , وصلة الأرحام , فنلف الحيّ بيت بيت فتعود الحقائب مليئة بالملبس والحلوى فأهل الحيّ أسرة واحدة , الكل يعرف الآخر , ويفرح بفرحه , ويتألم من ألمه , لا تسمع تنظيرا عن حقوق سابع جار ولكنّك تشاهد تطبيقا عمليا للوصاية بالجار رقم الأربعين , لا تسمع عبارات المجاملات التي تخرج من الشفاة فلا تدخل الأذن ولكنّك تجد الودّ والمحبة النابعة من القلوب التي تفيض بها العيون وتشعر بدفئها الأرواح فتفيض الأرواح ودّا وحبّا وحنانا فتسكن آمنة مطمئنة تحدث نفسها همسا وعن قناعة بأنّه فعلا ( الجنّة بلا ناس ما تنداس ) …… يفتقرون إلى الكثير الكثير مما نحظى به اليوم من متاع الدنيا وزخرفها , ولكنّهم يملكون إنسانيتهم الراقية الرحيمة , وفطرتهم السليمة المستقيمة , وقلوبهم الطاهرة النقيّة الصافية .

بالتأكيد سنستعد للعيد ونجهز حلواه , ونحمم الأولاد فركا ودلكا ولكن هل نستطيع أن نعيد العيد الذي سرق منّا بما كان يمثّله من فرح حقيقي وصفاء ونقاء وودّ ومحبّة ؟؟ فنفرك القلوب ونطهرها مما علق بها من شوائب , وما ران عليها من أدران ؟؟ فأصبح الناس غير الناس والدنيا غير الدنيا , والحياة غير الحياة ؟؟

وكلّ عام وأنتم بخير وسعادة وقلوب نقيّة وفرح حقيقي.

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى