لماذا خلق الإنسان ضعيفا؟

لماذا #خلق_الإنسان_ضعيفا؟
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
المتفكر في الآيات القرأنية، لا بد أن يلاحظ كثرة التنبيه والتحذير من الشيطان، بل ربطه بكل الشرور، ووصفه أنه العدو المبين للإنسان.
ليس هاما حسم الجدل حول طبيعة الشيطان، هل هو كائن حي له مهمة واحدة هي غواية الإنسان، أم أن الله قصد به تجسيد الشر المترتب على الأنانية والطمع الموجودان من جملة الطبائع البشرية السلبية المعاكسة للقيم الخيرية المودعة في الننفس البشرية كجزء من الفطرة التي جبل الله عليها البشر.
وتفسير هذه الازدواجية في طبائع البشر أنها تطبيق لسنة الله الكونية في كل الأشياء، وهي الثنائية التقابلية، أي وجود الشيء وضده، ، فتجد الليل والنهار، والحر والبرد، والجوع والشبع، والخوف والاطمئنان ..وهكذا، ليشكل التوازن فيما بينهما الاستقرار والثبات.
ذلك لكي يتحقق للإنسان مبدأ الاختيار عن طريق استعمال العقل، فيتميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية، والتي جميعها تنساق وفق ما أودعه الله فيها من غريزة لا تملك عنها انحرافا، بينما هو حر في خياراته، وذلك لكي يختار الإيمان عن قناعة عقلية.
ومقابل هذا التميز للإنسان بأنه سيد المخلوقات، ويمكنه التغلب على ما كان منها أضخم منه وأكثر قوة وسرعة، جعله الله ضعيفا أمام أصغرها وهي الجراثيم: ” وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا” [النساء:28] .
في هذه الآية كما في آيات أخرى يبين الخالق للإنسان خفايا صنعه، هذا المخلوق الذي يتيه تكبراً بما آتاه الله من نعم، وبما فضله بها على كثير من خلقه، حتى كاد أن يتمادى وينسى أنه مخلوق ضعيف في قبضة خالقه.
مبعث تلك الخيلاء، أنه جاء في أحسن تقويم، أي بالتصميم الأمثل، فلا يمكن تخيل صورة أجمل ولا مواصفة أفضل، فمهما جمح الخيال بفنان، فلا يمكن أن يأتي بشكل أجمل من الصورة البشرية المعروفة، ولا أكمل من أداء أعضائه لوظائفها.
لذلك أراد الله تعالى في هذه الآية، وفي آيات أخرى، ان يكشف للإنسان عن بعض النواقص في شخصيته وفي بنيته، والتي هي ليست عيوبا (تصنيعية)، بل هي مقصودة بذاتها، فجاء في آية أخرى: “إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً” ، وفي أخرى: “وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا”، وفي موضع آخر: “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ”.
في كل ذلك يتبين أن هنالك نقاط ضعف بيّنها الخالق، مما يدل على أنه تقصدها لحكمة أوجبها، فما هي الحكمة من ذلك؟.
عنما نفحص آلة كهربائية معقدة تؤدي مهمة معينة، نلاحظ أن هنالك نقطة يمر منها التيار الكهربائي، تسمى (الفاصمة = fuse) وهي سلك رفيع إذا زادت شدة التيار الكهربائي فجأة، يحترق لينقطع التيار فيحمي الآلة من التلف.
هكذا تعمل نقاط الضعف في الإنسان (الآلة الثمينة)، فهي لتذكيره بأنه بحاجة الى منجد من الهلاك، فلا يجد غير الله كاشف الضر يدعوه، ويتنبه الى أن ما كان يوهمه بقوته أوذكائه أوجبروته أو سلطانه، كيف كان سيودي به إلى التهلكة بسبب غياب التقوى، والخسران المبين لآخرته بسبب مخالفته لأوامر خالقه، عندها يفصل (الوازع الديني) تيار الفعل الجارف فجأة، فيتنبه المرء ويراجع نفسه ويبحث عن الخلل، فتكون التوبة هي المصلّح.
إن ذلك أشبه بالأب عندما يمسك بيد طفله لحمايته، ويلاحظ أن إبنه إعتداداً بنفسه، وشعورا متسرعا بأنه أصبح كبيرا يمكنه تدبر الأمور لوحده، يتملص من الإمساك بيده، عندها يختار الأب الحكيم موقفا يجعله يحس بضعفه، كأن يكون هنالك كلب يخشاه الطفل، فيترك الأب يده مع إبقاء الوضع تحت مراقبته، ستجد أن الطفل يسرع الى الإلتصاق بأبيه احتماء به.
هكذا يفعل الله تعالى مع البشر، يريدهم بين فينة وأخرى أن يعودوا إليه طائعين معترفين بحاجتهم لرعايته وحمايته لهم.
المؤمن لديه فاصم (fuse) حساس سريع الإستجابة، يفصل الفعل الخطر قبل ارتكابه، أما الذين يعادون الدين ويرغبون بإلغاء دوره الحمائي للبشر، فهم أولئك الذين ألغوا الفاصم أصلاً، فصار التيار متصلا على الدوام، لذلك فهم في خطر شديد، بعد إذ لم تعد لديهم تلك الحماية، فهم عرضة للخسارة الفادحة بارتكاب المحرمات من غير رادع .. فيأتون يوم القيامة وهم من الخاسرين.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى