عن حلقة فيصل القاسم وأدرعي
لا شأن لنا بحجم الكراهية، أو المعارضة، أو الغضب، أو غيرها من المشاعر والمواقف التي يكنّها، أو يصرّح بها، صاحب “الاتجاه المعاكس”، فيصل القاسم، تجاه النظام السوري وحلفائه. ولكن ما يهمنا في هذه اللحظة هو عدم استقامة أن يصب القاسم جام غضبه من نظام الأسد وحليفته إيران، علينا، في استضافة الناطق باسم جيش الحرب الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي. ولعل القاسم الذي باتت تصريحاته الصاروخية عبر قناة الجزيرة، وتغريداته النارية، واستطلاعات الرأي التي يجريها عبر “تويتر”، أقوالاً مأثورة يستشهد بها أدرعي، يُدرك تماما أن إدانة النظام في سورية لا ينبغي أن تكون من باب التغني ببطولات إسرائيل، لأن الجرائم لا تُدان بهوية القاتل، ولا بهوية المجني عليهم، بل بفعل القتل الذي يتساوى عنده كل الجناة والطغاة.
أن يفتح فيصل القاسم هواء “الاتجاه المعاكس” للناطق باسم جيش إسرائيل المجرم، ويقتحم بيوتنا بلحلقة لاستعراض لقوة جيش الاحتلال، فهذا أمر فاق كل عقل. للقاسم أن يُقلل، كما يشاء، من أهمية إسقاط طائرة عدوان إسرائيلية في الأجواء السورية، وله أن يتباهى، كما يشاء، بقوة إسرائيل، ويردّد، ما يشاء، من النكات، لكي يُطرب آذان ضيفه الإسرائيلي. ولكن ليس من حقه أن يقتحم بهذه الخطيئة بيوتنا، ويلوّث هواءنا باستعراض مُستفِز لبطولات سلاح الجو الإسرائيلي، وباستخفافٍ بدماء شهداء ارتقوا على طريق الكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاصب.
ولعلي لا أتجنى على فيصل القاسم ومهنيته، وأنا أستنكر استهتاره بما تكبّده الكيان الإسرائيلي من خسائر في حرب تموز/يوليو 2006، فحقده على حزب الله وإيران بسبب دورهما في سورية لا ينفي الحقائق التي عرّتها لجان التحقيق الإسرائيلية، وهي تتقصّى أسباب الخسائر الفادحة التي تكبدتها القوات الإسرائيلية في مرجعيون ومارون الراس. تكفي إحالة القاسم إلى ما جاء في تقرير لجنة فينوغراد التي أوكلت لها مهمة كشف الحقائق، وتقييم الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد حزب الله ولبنان صيف 2006، ويتكون التقرير من 600 صفحة، استنادا إلى 74 شهادة قدّمها مسؤولون سياسيون وعسكريون وخبراء. ومما جاء في التقرير، كما نُشر على موقع الجزيرة نت: إن حرب لبنان شكلت “إخفاقا كبيرا وخطيرا على المستويين، السياسي والميداني، وخصوصا على مستوى القوات البرية”، و”أسفرت تلك العملية عن مقتل 33 جنديا إسرائيليا”. وهذا يُناقض ما زعمه فيصل القاسم في الحلقة من أن الحرب أسفرت عن تحطيم “خمسة شبابيك”، حتى لو أقسم بـ”شرف” ضيفه الإسرائيلي.
ما عرضه فيصل القاسم في اتجاهه المعاكس يوم الثلاثاء الماضي هو تمثيل حرفي للسير في الاتجاه المعاكس لإرادة الشعوب العربية التي تأبى السير في ركب التطبيع مع المحتل الإسرائيلي، وتأبى الاستهتار بدماء الشهداء الذين سقطوا في ساحات الحرب مع المحتل الغازي. وهو طعنة في ظهور آلاف الأسرى القابعين في ظلمات المعتقلات الإسرائيلية الظالمة. وهو كيٌّ لجراح آلاف الجرحى الذين أصيبوا في حروب ومعارك على مدار 70 سنة من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. بل إن ما عرضه أو استعرضه فيصل القاسم مع ضيفه المتباهي ببزّته العسكرية يسقط في خانة التلميع للكيان الصهيوني التي صارت تغزونا بها شاشات عربية بلا حياء.
كل ما أصابنا من خيبات ونكبات من الأنظمة الشمولية التي طالما ظلمت شعوبها، بزعم الاستعداد لمعركة تحرير فلسطين، لا يُبرّر الاحتفاء بـ”بطولات” إسرائيل و”انتصاراتها” على دمنا، على جغرافيتنا العربية، على سلاحنا الممول من كدّنا وعرق شعوبنا. لا شيء يُبرّر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب. ولا شيء ينفي أن السرطان الإسرائيلي الساري في الجسد العربي هو أُس أمراضنا، وأساس عللنا التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه. بسبب هذا الاحتلال، وحتى يبقى هذا الاحتلال، حُرِفّ مسار مراكبنا، حتى صرنا نسير في الاتجاه المعاكس لكل منطق.