شيخ ولكنه سحيج محترف !!!
اصبح مصطلح “التسحيج” في الأردن مصطلحا مفهوما ومقروءا مع أنه مصطلح غير صحيح من الناحية اللغوية إلا أنه وكما قالت بعض العرب “خطأ شائع خير من صحيح مهجور”. والتسحيج اصطلاحا لا يحتاج الى بيان كثير فهو يشير الى “التعييش” والتصفيق تأييدا لمن بيده الحل والعقد أو لمن بيده السلطة والمال وهذا التصفيق يعد ضربا من النفاق لأنه يتضمن موالاة لشخص او جهة معينة بغض النظر عن صحة وسلامة نواياها ومقاصدها وقراراتها .نعم نحن نعرف أن بعض الناس لا يمتلكون نفوسا وعزيمة تصمد أمام المغريات أو أمام الخوف من الحرمان منها فتراهم يتملقون ولي الأمر أو الوزير أو رئيس الجامعة أو المدير أو رئيس الشعبة بهدف تحقيق مصالحهم وهم في أحيان كثيرة يجاهرون في ذلك ويعتبرونه من باب “الشطارة” والمهارات الاجتماعية الحاذقة. عندما تتحدث مع مثل هؤلاء عن المبادئ والقيم والتضحيات من أجل المبدأ والضمير تشعر أنهم لا يفهمون هذه اللغة لا بل تلمس منهم استهبال لمن يتحدث معهم في مثل هذه المبادئ والقيم.
راعني اليوم مستوى التسحيج الذي أبداه خطيب الجمعة في أحد مساجد عمان حيث عزف على لحن الأمن والأمان ما لم يعزفه أحد من قبله، كما أنه نعت من ينتقد سياسات الحكومة بأنهم “ناعيقن” وطلب من المصلين عدم الانتباه إليهم ولا أعلم ماذا يسمي هذا الشيخ حكومة المحافظين في بريطانيا وأحزاب المعارضة في كندا وإيطاليا وغيرها من بقاع العالم. الأدهى والأمر أن هذا الشيخ قال بأن الغلاء قضية عادية وأن الأمن والأمان هو الأهم ودعا المصلين الذين لم يكن لهم حول ولا قوة إلا الإنصات لخطبته التسحيجية دعاهم إلى عدم الاحتجاج على قرارات رفع الأسعار وفي النهاية قدم هذا الخطيب التهنئة بعيد ميلاد ولي الأمر ولم يبقى إلا أن يأتي بالكعكة ويحتفل على أنغام أغنية تبرق وترعد.
الأمن والأمان جيد ولكنه وحده لا يسد رمقا للأمعاء الخاوية ولا يدفع رسوم المدارس والجامعات ولا يدفع أجرة البيت وفواتير الكهرباء والماء التي تشكل الشغل الشاغل لرئيس حكومة يتفنن في تعذيب وتلويع مواطنيه برفعه الدائم للأسعار.الأمن والأمان صنعه الأردنيون جميعا مواطنين وقوات مسلحة وشرطة ودرك وقد توقف الحراك السياسي والمظاهرات المطالبة بالإصلاح عندما استشعر الحراكيون أن الوضع الأمني حساس.
المؤسف والمؤذي هو أن ترى مثل هذا الشيخ المسحج من العلماء والمفكرين ورجال الدين معممين أو “مشورين” ملتحين أو “منعمي اللحى” يفتون لولي الأمر على الطالع والنازل مادحين ما يقوم به وما يتخذه من قرارات. إنهم يفتون في الأشياء ويحللونها بعد وقوعها ويسهبون في البديع والبيان عن بعد نظر ولي الأمر وعن ورعه وتقواه. هؤلاء العلماء بعضهم اقتصاديون وآخرون رؤساء وأساتذة جامعات وقضاة وعلماء في أصول الدين وفقه الحديث وعندما تحادثهم تجدهم “سحيجة” بامتياز لأنهم يضفون شرعية علمية ومعنوية على أعمال وتصرفات أولي الأمر. يا ترى كيف يقبل مثل هؤلاء العلماء وبما يمثلون من رمزية اجتماعية وعلمية وفكرية أن يضعوا أنفسهم في موازاة السحيجة الذين يمتطون البكبات للتصفيق والتعييش من أجل بضع دريهيمات؟ دريهيمات علماء السلطان تصبح ربما ملايين وقصور في دابوق وشارع الشعب أو رئاسات لمجالس أمناء او جامعات أو عمادات في جامعات وامتيازات لهم من تحت السجادة وعلى طريقة على جمعه وسعد الدين الهلالي في مصر وأمثالهما ممن يسبحون بحمد السيسي بكرة وأصيلا وممن شبهوا السيسي ووزيره محمد ابراهيم بالنبي موسى وأخيه هارون. إنهم لا يقرأون في أثر الخلفاء والحكام المسلمين عندما كان يرفض بعض الحكماء والفقهاء أن يكونوا حاضرون في مجالس الحكام فقد قال هارون الرشيد لأحد العلماء جالسنا كي تنصحنا فقال للرشيد من يريد الدنيا لا ينصحكم ومن يريد الآخرة لا يصحبكم.
السحيجة من العلماء والمفكرين لا يختلفون كثيرا عن سحيجة الشوارع الذين يتقاضون الثمن من الاجهزة الأمنية حسب عدد الطلعات ومدتها. علماء السلطان أكثر أذى للوطن لأنهم يعطون شرعية لأفعال أولي الأمر مما يجعل فساد الحكام والمسؤولين ينطلي على العامة لدرجة يختلط عليهم الأمر حيث يرون خبراء اقتصاديون وفقهاء قانونيون وشيوخ دين لحاهم طويلة أو مهذبة وثيابهم قصيرة وعماماتهم توحي للناس أنهم ظل الله في الأرض وأنهم أولياء ينبغي تصديقهم . عندما حادثت بعصهم كنت منذهلا من مقدار تشبثهم بالسلطة ودفاعهم عن المسئولين وتبرير أفعالهم وتصرفاتهم. هؤلاء أعتقد بأنهم أكثر وأكبر أعداء الوطن فهم يضللون ولاة الأمر والمسؤولين ويعطوهم الشرعية والغطاء العلمي والمعنوي وأحيانا القانوني والفقهي مما يدفع اصحاب القرار للمضي في غيهم وطغيانهم .نقول لهؤلاء أنكم طغاة فاسدون تماما مثل من تدافعون عنهم وتزينون لهم ضلالهم وظلمهم ونسأل الله ان يريحنا منكم وأن ينتقم للأردنيين المعذبين في عيرا ويرقا وناطفة والنعيمة وسحوم وجديتا وصبحا وصبحية ومليح واللجون والمريغه. إنكم منافقون تبحثون عن مصالحكم وليس عن مصالح الوطن والمسئولين يعرفون أثمانكم ونقاط ضعفكم وهم يستغلونها بكفاءة عالية حيث يمتطون ظهوركم باختياركم وانتم لهم من الشاكرين فبئس الراكب وبئس المركوب.