شكل وعدل.. تمخض الجبل فانجب فأرا، متى نتغير؟

شكل وعدل.. تمخض الجبل فانجب فأرا، متى نتغير؟

#نايف_المصاروه.

يحكي أنه في قديم الزمان ، كان جماعة من البدو الرحل ،يسافرون على جمالهم عبر الصحراء، لحاجاتهم و تجاراتهم، وحين شعروا بالتعب، نصبوا خيمتهم في مكان  بالقرب من جبل رملي، وبينما هم جالسين يتناولون طعامهم وشرابهم، شاهدوا بعض الرمال والحجارة الصغيرة ، تتساقط من احد الجحور في الجبل  ، فشعروا  بالخوف الشديد ظنا منهم أن خطرًا يهدد حياتهم  ، وبعد أن نهضوا وابتعدوا عن مكانهم وقاموا بمراقبة الجبل جيدًا، خرج فأرا  من أحد الجحور في الجبل ،وما ان احس بهم حتى فر من أمامهم مسرعًا الى مكان آخر ليختبئ فيه ، وعندئذ قال أحدهم ( تمخض الجبل فولد فأرا). وأصبحت تلك الجملة  مثل شهير  تناقلته الأجيال فيما بعد عبر الأزمنة .

هذا المثل يُضرب لمن يـُـتوقع منه الكثير، لكنه يأتي بالشئ القليل أو الحقير الذي لا يتناسب مع حجمه الحقيقي أو المتأمل منه أن يفعله للحاجة إليه ، مثلا كحالة  تشكيل الحكومات في الاردن وكثرة إجراء التعديلات عليها .

مقالات ذات صلة

من المعلوم  أن  الحياة  الحزبية في الاردن، هشة ولا تستند إلى قوة مجتمعية، لعدة اسباب   منها ، كثرة التعديلات على قانون الاحزاب، فما تلبث بعض الاحزاب ان تستجمع قوامها وقواها، حتى يعدل القانون بآخر.

والعجيب اننا نطالب بالتنمية السياسية، وبالمشاركة الشعبية في الاحزاب، ثم نلاحق نجاح بعض تلك الاحزاب  ونهدمه بكثرة التعديلات على القانون !

الامر الآخر هو عدم قناعة بعض القواعد  الشعبية بجدوى العمل الحزبي، لكثرة الاحزاب ولغياب البرامج الواقعية والهادفة التي تشخص المشكلات وتعالجها  او تطرح الحلول لمعالجتها بشكل تشاركي.

وبالتالي فإن المنهج  الحزبي أو البرلماني لتولي  السلطة التنفيذية، من قبل الأحزاب استنادا إلى نتائجها في الانتخابات البرلمانية، هو أمر شبه معدوم تقريبا، ولم تشهده الحياة السياسية الأردنية منذ زمن بعيد، بإستثناء حكومتان  تشكلتا على المنهج الحزبي، كانت الأولى برئاسة  رشيد طليع من مؤسسي حزب الاستقلال، وهو أولُ حزب سياسي في الاردن، وشكـًّل اول حكومة أردنية، غير برلمانية ، ولكنها اول حكومة حزبية بعد إعلان تأسيس إمارة شرقي الأردن في 11 ـ 4 ـ م1921 ، وكان يُطلق عليها إسم حكومة المشرق العربي .
فيما شكلت الحكومة الحزبية الثانية عام 1956،في عهد الملك الحسين رحمه الله، برئاسة سليمان النابلسي، وهي اول حكومة برلمانية على اساس حزبي، بعد حصول الحزب الوطني الاشتراكي الذي يرأسه النابلسي على أربعة عشر مقعدًا في البرلمان بانتخابات المجلس النيابي الخامس عام 1956 بتحالف حزبي ضم أيضًا حزب البعث الاشتراكي والجبهة الوطنية،واستمرت من 29 تشرين الأول 1956 حتى 10 نيسان 1957.

من يتابع مسيرة تشكيل الحكومات في الاردن ، وكثرة التعديلات عليها، يجد أنها ومنذ عشرات السنين، تسير على نفس النسق، فلا جديد ولا تحديث.
وبالرغم انه كثيرا ما يتردد عن خلوة، او ما يقال عنه عصف ذهني، لتكون النتيجة عند التشكيل او التعديل هي خيبة أمل ونكسة، وهي واقع مطابق تماما لواقع المثل الشعبي {صبيها رديها} ، او.. تمخض الجبل فأنجب فأرا!

ومن يستعرض مسيرة  تشكيل الحكومات واختيار الوزراء في الأردن، يجد انها غالبا ما تحكمها  توازنات الجغرافيا والديموغرافيا والعشائرية احيانا، ويضاف لها صلات المعرفة والمحسوبية وهي الأكثر والابلغ ، وكثيرا ما حدث أن احتج اقليم او محافظة أو حتى بعض العشائر على ضعف تمثيلها في تشكيلة الحكومة.

وينظر بعض الأردنيين للحكومة على اساس التمثيل، وليس على اساس البرامج والخطط وآلية تنفيذها.

(عادة)   تشكيل الحكومات وكثرة التعديل عليها، أصبحت مثارا للتندر للشعبي ، وقد يكون الأردن من أكثر دول العالم تشكيلا للحكومات أو تعديلا للوزراء.
ولا يستغرب إن سمعت ان هناك من يطلق علينا معاشر الأردنيين  لقب “أصحاب المعالي” ، وهي مبالغة مقصودة ، مغزاها بأن لدينا اكثر من 19 رئيس وزراء  ، وأكثر من  300 وزيرا متقاعدا تقريبا ،  يتقاضون اكثر من عشرة ملايين دينار سنويا تقريبا.

لدينا في الأردن يتراوح عدد الوزارات من 26، وفي بعض الحالات وصلت إلى 31 وزارة، بينما مثلا في المانيا وفرنسا والصين.. عدد الفريق الوزاري 18 وزيرا،وفي أمريكا واليابان 14 وزيرا.

لدينا في الاردن  تؤسس وزارة او اكثر، ومع إعادة التشكيل او التعديل  ما تلبث ان يتم إلغاءها ،والغريب في الأمر أننا كأردنيين  لا نعرف لماذا استحدثت  ولماذا ألغيت!

الأمر المثير للجدل والتندر أيضا هو ما جرت العادة ان يكون التعديل، إما أن ينتقل وزير او أكثر من وزارات كانوا يشغلونها الى وزارات أخرى، يعني تبديل او تغيير change.
وفي بعض التشكيلات والتعديلات تم توزير بعض الاشخاص ليكون وزيرا لأكثر من 7 مرات وبعضهم 5 مرات.
ومن عجائب  التشكيل او التعديل  ايضا  ان يجمع وزير واحد بين وزارتين، أو ينتقل إلى وزارة أخرى، ليس لتخصصه العلمي أية علاقة بإدارتها، المهم أن يكون “معاليه وزيرا” ، او يغادر  خارج الفريق الوزاري وزير او اكثر لينعم.. او ينعموا بالإمتيازات، ثم يغرد على تويتر… أن رضى الله ومحبة الناس غاية لا تدرك.

منذ ان تسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية في 7 شباط عام 1999، فقد جرى تكليف 14رئيس وزراء، ليشكلوا 19 حكومة،والغريب العجيب انه تم خلال هذه الفترة اجراء 36 تعديل وزاري تقريبا، منها التعديل الأخير، والذي شكل صدمة ونكسة لكل من يتابع ويهتم بالشأن الوطني.

ان تعدد التشكيلات الوزارية وكثرةالتعديلات عليها، اورث شعورا لدى العامة بعدم الإهتمام والمتابعة، ناهيك عن ذلك الشعور الذي يخالجني او غيري، بأن الإصلاح الذي نريده ونطمح إليه يصعب تحقيقه لكثير من الأسباب والمسميات ومنها عدم الجدية الحقيقية في تحقيق الإصلاح المنشود ، حتى وإن أعلن عن منظومة الإصلاح السياسي ،ومع ان ذلك مهم ولا أقلل من شأنه ، ولكن المهم هو إصلاح “المنهج” ، قبل إصلاح التشريعات والخطط، ويدل على ذلك الشعور، قصر العمر الزمني للحكومات وكثرة التعديلات ، دون تحقيق انجاز يذكر، أو يدركه او يلمسه العامة، وهو الأمر الذي يدعو الى طرح مجموعة من الأسئلة.. منها–

  • ما هي الانجازات التي حققتها حكومة الدكتور بشر الخصاونة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى تحضى بفرصة البقاء، ويسمح لها بإجراء 5 تعديلات وزارية في أقل من عامين ؟
  • وهل تجذير المناطقية في تكرار التعديلات الوزارية عليها ينم عن كياسة وفطنة أم سوء إدارة وقلة دراية؟
  • وكيف يعاد وزيرا سابق… إلى وزارة.. كان يشغلها سابقا مع مصادفة تاريخ وذكرى أليمة، هي حادثة الغرق في البحر الميت ؟
  • وما هي المعايير أو الأسس او السيرة العملية والعلمية  لكل من يتم ترشيحه او يقع عليه الإختيار ليكون وزيرا او عضوا في الفريق الوزاري، إذا علمنا أن حكومة سابقة … اجرت أول تعديل عليها بعد يومين من تشكيلها ؟
  • والسؤال المهم… كيف للوزير او الفريق الوزاري بأكمله أن يحقق البرامج والخطط، ليترجمها على أرض الواقع، وهو ما يلبث  أن يعدل لينقل إلى وزارة أخرى، أو يقال أو يستقيل ، ثم تأتي حكومة أو وزراء آخرين ليبدأوا من جديد؟

والسؤال الأخير.. ونحن نلج ابواب المئوية الثانية للدولة، وبعد هذا الكم من التشكيلات الوزارية والتعديلات عليها ، وهذا العدد الكبير من الوزراء المتقاعدين ، أما آن لنا أن نتخذ منهجا او تشريعا يكون محددا لآلية اختيار الوزراء، وتحديد الضرورة القصوى التي يجب أن ينطلق منها الرئيس لإجراء التعديل الوزاري، على اساس الإنجاز الحقيقي، والحاجة إلى المزيد من الكفاءات والقدرات لإستكمال الخطط والبرامج، لا على أساس المحسوبيات والجهويات والتنفيعات الزائفة والمكشوفة !
الا يكفي… من تشكيلات وتعديلات عليها، والبقاء على نفس النهج  ولا جديد، والى متى سنبقى على حالة “شكل وعدل “، والنتائج “خطوة تنظيم” لمن يعرف بحركات المشاة العسكرية؟
ومتى نتعلم فنون الإدارة، ويكون لدينا واقع الشعور الحقيقي بالمسؤولية الوطنية، فنستقيل لضعف الإنجاز ووضوح التقصير ﷼، بدلا من المكابرة والحمق ؟

كاتب وباحث أردني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى