رواية وجوه و اقنعة…الجزء الثاني

رواية #وجوه_واقنعة…الجزء الثاني

بقلم #فراس_الور

جلست صفية زوجة اياد علي في سريرها تنظر الى ستائر غرفتها و هي تكاد تحجز اشعة شمس الصباح عنها، فأشعتها البهية كانت تنساب من جوانب الستائر و فتحة صغيرة بينها و تداعب بدفئها وجنتيها و جبينها، لم تستيقظ بسهولة في بادئ الأمر ففتحت عينيها بالضحى الباكر حينما سمعت بعض زقزقةٍ للعصافير فكان الشروق مازال في بداياته، كان سناً ضعيف ظاهر خلف الستائر المبطنة فتوهجت زرقتها معه بوضوح، فسرعان ما اغلقت عينيها و نامت لبعض الوقت لتعود و تستيقظ على اشعة دافئة و قوية تداعبها بقوة، كان للشروق رونقا رائعا في كل صباح حيث تعودت تناول طعام الأفطار مع زوجها بالغرقة قبل ان يذهب الى العمل في كل يوم تقريبا، و كان فنجان القهوة بعد الأفطار له نكهة خاصة مع زقزقة العصافير و رونق ورود حديقة منزلها و طبيعة تصحو بقوة من سبات الليل العميق، كان بجانب سريرهما مقعدين مع طاولة صغيرة اعتادت الجلوس مع زوجها عليهما قبل ان يذهب الى العمل، فكان اياد زوجها مغرم بها و يحبها كثيرا و لا يخرج الى شركته التي كان يملكها و يديرها قبل ان يودعها، و لكن منذ بعض الوقت تبدلت الأحول كثيرا،   

نهضت قليلا من مكانها و اخذت هاتفها الخلوي و نظرت الى الساعة، كانت لا تزال الثامنة و النصف صباحا، نظرت الي يمينها فكان مكانه فارغا كالمعتاد، لمست مكان نومه فكان باردا جدا، فتيقنت بأنه غادر الفراش منذ زمن طويل، لم تشعر بحسه بالغرفة اطلاقا، و كأنه تعمد عدم ايقاظها و الخروج خلسة من دون ان تعلم ذلك، قالت في ذاتها “كم تغيرت يا اياد، فاشعر و كأنك رجل اخر يشاركني حياتي، ماذا حصل بالضبط، و كأننا حُسِدْنَا؟ اهي اعْيُن الناس التي كانت ترانا مسرورين مع بعضنا بعد قصة حب ملتهبة دامت لبضعة اشهر و تكللت بفرح كبير سَمِعَتْ به كل عَمًان و ضواحيها…”

مقالات ذات صلة

لم تكن تعلم ماذا جرى بالضبط بينهما مؤخرا، فكانت ام لثلاثة اولاد كان اصغرهم بالصف السادس الإبتدائي، كان اسمه عُمَر و كان ولد ذكي جدا، و كان يكبره سعيد فكان بالصف الثامن و من ثم يأتي ابنهما البكر، كان اسمه عاطف و كان بالصف العاشر، كانوا اولاد منضبطين بحياتهم مهذبين لا يعرفون سوى المدرسة و المنزل و اطاعت اوامرهما، فمنذ ولدها الأول اغلقت محل تصفيف الشعر التي كانت تمتلكه و التزمت اسرتها و اولادها تربي ما انعم الله عليها من ذُرِيًة، فكانت مربية منزل صالحة مخلصة لزوجها و اولادها، و كلما رزقت بولد شعرت و كأن الحمل ثَقُلَ عليها و لكن كانت تتحمل لأن حلم زوجها كان ان يبني اسرة و ان يكون له ذرية صالحة بهذه الحياة، و لكن…و منذ شهرين من الزمن احست بأنه تغير كثيرا معهأ،

شعرت و كأن اياد ابتعد عنها، فأصبح لا يأتي الى المنزل الا ليتناول الغذاء و لينام او يرتاح من العمل، حتى يوم الجمعة الذي كان يعشقه و يجعله يوم للتنزه معهم اصبح يمضيه بالكامل بالشركة، لم تعد تراه الا لبضعة دقائق قبل الغذاء او قبل ان ينام، و حينما تسأله كان يكلمها عن اسباب انشغاله قائلا ان الشركة تكبر و همها يكبر معها و كَثُرَتْ التزاماته العملية، كانت تصدقه في بادئ الأمر حيث كانت تعلم حجم تداول عمل شركته بالسوق…و لكن حدث امر منذ اسبوعين جعلها تشك بكلامه، و اختارت السكوت سُتْرَةً لها و لأولادها، فكانت تضع الغسيل بالغسالة في ذات يوم، و حينما تفقدت قميص من قمصانه كي لا يكون هنالك اية اشياء قد نسيها في جيبه لمحت خطين احمرين على كتف القميص، و فجأة تنبهت الى انه كان مشبع بعطر نسائي جميل جدا، صدمت مما كان بين يديها و علمت على ما كان يدل، فابتدأت بالشك بأن لزوجها ربما عشيقة قد تكون السبب بتغيره معها،

كانت تعلم بقرارة نفسها مدى عشقها لزوجها و ابو اولادها، و لكن بالرغم من انها حاولت التعامل مع صدمة قميصه بإتزان و تروي الا ان الغيرة كانت تطفو في قلبها من حين لآخر، كانت تعلم انها يجب ان تستمر بخدمته بصورة طبيعية ريثما تتأكد مما كان يحدث حولها، و لكن الصورة ابتدأت تتوضح عندها، فهنالك إمرأة دخيله بينها و بين اياد، بعد بضعة ايام ازدادت الحيرة بقلبها عن هوية هذه السيدة و ازداد القهر بقلبها فكلما عاد زوجها الى منزله و نام سريعا بعد يوم حافل من التعب كانت تشعر و كأن احدهم كان يصفعها على وجهها، ففكرة ان إمرأة ثانية اصبحت اجمل في نظره منها كانت تقهرها بلا رحمة، و المشكلة ان ردت فعلها يجب ان تكون محسوبة بتروي قدر المستطاع لأجل اولادها، فكان والدهم ايضا و كانت هنالك اسرة بأكملها قيد الرهان بهذه المعادلة فلم يكون بمقدروها اخذ القرارات العشوائية، و لكن القهر و الغيرة امران لم تحسب لهما حساب بعلاقتها مع اياد يوما، فلم تتخيل اطلاقا ان يخونها فكانت متأكدة الى حد كبيرة بأنه كان يحبها جدا،

نهضت من السرير و ارتدت خفها بقدميها، سارت نحو الستائر و فتحتهما فتدفقت الى الغرفة اشعة قرص الشمس البهية، اضائت الغرفة من حولها و ملأتها اشراقا…بعكس قلبها الذي كان بحداد عميق على ما كان يحدث لها، فزوجها اصبح يغادر فراشهما من دون حتى ان يحضنها و يقول لها صباح الخير، سال الدمع من عينيها و شعرت بغصة حزن كبيرة في صدرها، نظرت الى مكانه و ابتدأت بالبكاء، لم يكن عندها يقين بشيئ، فهل غادرها ليتناول معها طعام الإفطار؟ هل كان متزوج منها بالسر؟ هل كانت سفراته التي كان يدعى انها الى اوروبا مزيفة و كانت ايام يمضيها معها؟ انطلقت منها شهقات متتالية و هي تنظر الى فراشهما و الحقيقة تحيطها من كل ناحية…بأن زوجها مرتبط بإمرأة ثانية، هل كان هذا آخر المطاف بينهما؟ شعرت و انها ستقف قريبا عند مفترق طرق بحياتها قد يخنقها، و ان تكون شكوكها بمحلها و ترغم على الإختيار بين ان تعيش مع اياد و بذمته زوجة ثانية او الطلاق…

استدارت نحو خزانتها و اخذت ثوب من اثوابها لترتديه، وضعته على السرير و ابتدأت بخلع ملابسها، تذكرت ما حدث بينهما منذ ثلاثة اسابيع حينما شعرت بإشتياق له، فلم يعاشرها بالفراش منذ مدة طويلة، فوقفت و هو يغير ملابسه و خلعت قميص نومها لتحاول لفت انتباهه، فوقفت امامه حافية القدمين بالشلحة و شعرها الطويل منثور حول وجهها و كتفيها، كانت تضع العطر الذي يحبه و كانت بمزاج راغب جدا لمغازلتها، تمنت ان تمضي معه بعض الوقت الجميل، و لكن تفاجئت به يقول انه مرهق و متعب جدا، فطلب منها ان تؤجل هذا  الأمر الى ان يكون هادئ البال اكثر، حدثت بعدها حادثت القميص فتيقنت حينها ان هنالك امرأة آخرى…حتى عُرْيُهَا كإمرأة لم يعد يهمه…كم اصبح بعيدا عنها فجأة،

فجأة رن هاتف نقال بالغرفة، خضها الصوت العالي الذي صدح بالغرفة فجأة فكان المنزل هادءا ماعدا زقزقة للعصافير قادمة من على اشجار حديقة المنزل، كان الصوت قادم من جرار منضدة السرير حيث ينام زوجها، سارت الى مصدر الصوت و فتحت الجرار، كانت رنة رسائل قادمة من هاتف زوجها، التقطته و هي مترددة اذا كان يجدر بها النظر الى محتواياته او لا، الغريب انه كان أياد حريصا جدا على اغراضه فنادرا ما كان ينسى شيئا خاصا به، و لكن يبدو انه كان بعجلة من أمره في هذا الصباح، امسكته لبضعة ثواني و هي تفكر في تفقده فلم تعتاد على التطفل على حياة زوجها او اية اغراض خاصة به كالهاتف الخلوي او حاسوبه الشخصي، و لكنها شعرت فجأة بحدس في داخلها يحثها على تفقد الهاتف، فتحت الشاشة و قرأت بصدمة عنيفة “حبيبي لا تتأخر في هذا الصباح، فاعددت لك الفطور بيدي…حبيبتك رندا،”

و اخيرا اتاها دليل قاطع بأن هنالك إمرأة آخرى في حياة إياد، جلست على السرير و ابتدأت بالبكاء مرة آخرى بمرارة شديدة فشعرت بآلم شديد يجتاح صدرها، لم تكن تعلم ما عليها فعله فكان بيتها على حافة الإنهيار، و من رندا؟ كانت هنالك اكثر من رندا في دائرة معارفهم، فهنالك السكرتيرة رندا ايوب و هي شابة بالعشرينيات من العمر و كانت إمرأة جميلة جدا، و كان هنالك رندا سرحان صديقتها و كانت تتردد عليها من حين لآخر حيث كانت تربط بينهما صداقة قوية، و كانت قد التقت بزوجها عدة مرات في منزلهم، كانت رندا سرحان إمرأة بالثلاثين من العمر حسناء الطلة و انيقة المحضر دائما، شعرت بأن التي تراسل زوجها قد تكون احداهن، و لكن كيف لها ان تتأكد؟ مِنْ مضمون الرسالة فهمت ان لدى زوجها اهتمامات عاطفية مع إمرأة يلتقي بها من حين لآخر…و لكن كان عليها معرفة من تكون، فجأة اتتها فكرة جيدة، فَعًلَتْ نظام التسجيل الصوتي على جهاز زوجها و اعادت الشاشة الى وضعها الطبيعي، ثم اعادت الهاتف الى مكانه، فجأة سمعت هدير سيارة خارج منزلهم، نظرت من النافذة فكان زوجها يخرج من السيارة، اسرعت الى خزانتها و اخذت منها منشفة ثم ندهت على صانعة المنزل، اجابتها لاتا “نعم و هي تسير نحو غرفتها،”

اجابتها “اذا سأل علي بابا قولي له انني استحم،”

اجابت لاتا “حاضر ماما،”

*********************************

بعد ثلاثة ايام…

نظر اليها بترقب و هي تسير امام المسرح، كانت كالغزال السارح بين ربوع الغابات النضرة تسرح هنا و هناك تراقب كل حركات الفنانين و هم يؤدون ادوارهم المطلوبة، كانت تراقب البروفا الدائرة امامها بإهتمام شديد فكانت المسؤلة و المخرجة عن العمل الفني، امعن النظر بقوامها و ساقيها و استمتع بجمالها الفَتًانْ، كم كانت تثيره خصوصا حينما ترتدي ملابس عصرية تكشف جمالها امامه، منذ ثلاثة اشهر و صورتها لا تفارق خياله فكانت الإمرأة التي لطالما حلم ان تكون بين يديه، لطالما احب النساء ذات الشعر الأسود و الطويلة و ذات القوام الرشيق، فكانت تلبس ملابس تكشف ساقيها و ذراعيها و هذا كان يعجبه جدا، و لكن يجب ان يختار الوقت المناسب فكان حولها طلاب كثيرون بالبروفات فلن يتسنى له الحديث معها، كان يجب ان يشعرها بما يفعله جمالها به…بكيف كانت تثيره كإمرأة الى درجات كبيرة، اغمض عينيه و تخيلها و هي تصرخ بين يديه و تقاومه…كان سيبدأ بتمزيق بلوزتها عن جسمها ثم سيكمل عمله بلا رحمة و هي مسكينة مستسلمة لقبضة يديه القوية…

اخذ موبايل نوكيا قديم كان قد اشتراه من محل خلويات مستعملة بمدينة الزرقاء، و اخذ خط كان قد اشتراه بالرشوة من صاحب نفس المحل بالزرقاء تحت اسم مستعار، كان يريد ان يلفت انتباهها باي وسيلة كانت فيجب ان تتوتر و تخاف قليلا منه قبل ان يرغمها على العلاقة معه…ابتدأ جسده بالتعرق و هو يكتب كلمات الرسالة…فجأة تخيل منظرها امامه و هي تقاوم المعتدي عليها…كانت تصرخ بقوة تطلب الرحمة منه و لكنه اكمل تمزيق فصتانها و الإعتداء عليها…سال الدمع من عينيه و هو يتذكر كم طلبت النجدة و لكنه كان صغير لا حول و لا قوة له…فجأة تذكر كيف صرخت حينما مزق كل ثيابها عنها و دفن وجهه بين ثدييها، حاولت ابعاده عنها فغرزت اضافر يديها بوجهه ثم انزلتهم بقوة فنزف وجهه امامه، تساقطت الدماء على ثيابه و جسدها و لكنه سرعان ما صفعها على وجهها و لف ساقيها حول خصره و ارتكب جريمته النكراء، وضع وجهه بين يديه و بكى بشدة من القهر و الألم…كانت الذكريات المؤلمة لا تفارقه منذ ايام طفولته فكان صوتها يصرخ في ذهنه ليلا و نهارا، نظر الى المسرح من جديد فكانت تعطي تعليماتها لأبطال المسرحية، فكر في ذاته “يجب ان تقاومني و يجب ان يكون هنالك دماء، يجب ان تصرخ من الخوف بين يداي،” كتب سريعا “حبيبتي ذات الشعر الحريري الأسود…كم احلم بك ليلا و نهارا…اعبدك حينما تسيرين امامي و اعبد جمالك جدا…خصوصا حينما ترتدين نعل الكعب العالي فمنظر ساقيك و هما بالنعل يثيراني جدا…قريبا سنلتقي…حبيبك الملوع…” ضغط زر الأرسال و راقب الجهاز ليتأكد ان رسالته قد ذهبت، نظر اليها و هي تمسك هاتفها فقد رن جرس الرسائل عليه، طالعت رسالته ثم كتبت شيئا و وضعت الهاتف في جيبها، قرأ ردها “من انت؟ نبرة كلامك لا تعجبني،”

صعدت سالي نجيب الى المسرح الذي تزين بديكور لبلاط ملكي فرعوني جميل مطلي باللون الذهبي، و كان من حولها ألواح خشبية مليئة بالرسومات الفرعوينة و الرسومات الهيروغليفية على خلفية ذهبية جميلة جدا، فبان المسرح و كأنه قصر فرعوني فخم و كبير، كان الى الداخل في قلب المسرح مواجها للجمهور عرش ذهبي جميل مزين بالرسومات الهيروغليفية، كانت بروفة لمسرحية كليوبترا و كان مشهدا دراميا فيصليا بين انثوني و كليوبترا، و كان يقوم ببطولة المسرحية مجموعة من الشباب الموهبين بسنة ثالثة و رابعة من تخصص المسرح بكلية الفنون المسرحية و الدرامية حيث قرروا افتتاح مسرح باخوس بمسرحية من تمثيل طلاب الكلية، و كان مدعواً عليها عدد كبير من الطلاب و الأهالي و شخصيات كثيرة من ادارة الجامعة، كان العرض تحت رعاية وزارة الإعلام و الثقافة و كان من المفترض حضور الوزير شخصيا لذلك كانت التحضيرات على قدم و ساق،

وقفت سالي مخرجة العمل قائلة “هل يمكن ان نعيد هذا المشهد مرة آخرى، ليس لدينا وقت فالبروفه النهائية ستكون في الغد، يجب ان نكون مستعدين، البروفة النهائية ستكون عبارة عن عرض كامل للمسرحية من دون انقطاع و كأن الجمهور موجود، قالت لها نجوى فياض بطلة المسرحية “المشهد تم بسلاسة بيني و بين جمال، فلما الإعادة؟”

اجابت سالي “حينما ركعتي و توسلتي لانثونيو عدم الذهاب لمحاربة روما نسيتي و اعطيتي ظهرك للجمهور، هذا غير مقبول فانتبهي الى هذه النقطة، يجب عليك ان تكوني بمواجهة الجمهور دائما و اكثر شيئ مسموح لك هو الإستدارة بعض الشيئ، لكن لا يجب ان تكونين بغير مواجهة الجمهور،”

سأل جمال السلمان “هل يمكننا بدء المشهد و انا جالس على العرش ثم حينما تدخل علي نجوى استطيع حينها الوقوف و البدء بشجارنا مع بعض…”

اجابت نجوى بقليل من القلق “الوقت متأخر لهذه الترتيبات، و لكن حينما تقول ان هذه الجيوش لإذلالك ثم لإذلاي لا تذهب صوب العرش، فالنُجري الحوار و انتم في منتصف المسرح، ذهابك صوب العرش و الجلوس عليه سيجبر نجوى للحاق بك…نحن نريد ان نتجنب هذا الأمر، تمام؟ و هذا سيعطي مجال لكي تركع امامك كليوبترا و ان تحافظ على بروفايلها اليمين امام الجمهور…ارجوك ان لا تنسى هذا، ثم في آخر المشهد اريدكما ان تحضنا بعض امام العرش و تقبلا بعض بحرارة،”

اجابا نجوى و جمال “حاضر ست سالي…لنعيد المشهد…”

كان جالسا في صف في منتصف صفوف المقاعد يراقب المشهد في الظلام، فكان المسرح هو وحده المضاء لأغراض البروفات، تقدم الى الصف الأمامي و جلس بجانب مقعد كانت سالي تضع حقيبتها و حقيبة رياضية لها بجانبه، كان بمفرده فلم يكن موجود الا فني واحد لأغراض اضاءة المسرح اثناء البروفات، كانت سالي مشغولة بالحديث مع الممثلين فلم تلاحظه و هو يمد يده نحو حقيبتها و يفتح السحاب، فجأة نظر بطرف عينه الى جورب نايلون من جواربها، كان جورب مستعملا فأخذه و وضعه بجيبه، قام بسرعة و غادر المسرح و انطلق نحو كلية التجارة التي كانت على مقربة منهم، دخل المبنى و اتجه نحو الحمامات في الطابق الأرضي، دخل اليها فكانت فارغة لا احد بها، اخذ الجورب من جيبه و وضعه على وجهه و استنشقه فذكره بساقيها الجميلة، اثار الجورب غرائزه بشدة و هو يقبله و يتخيل نفسه يقبل ساقيها، فجأة شعر بأحدهم يدخل الحمام، وضع الجورب بسرعة في جيبه و وقف امام مرآة المغاسل يُسَرِحْ شعره، ابتسم له دكتور عارف كنعان استاذ الإقتصاد الجزئي بالكلية حيث كان يعرفه فبادله الإبتسامة قائلا “مرحب دكتور،” غادر الحمام و اتجه نحو قاعة لمحاضرة كان عليه حضورها، كان في قرارة نفسه يعلم انه يجب ان ينفذ ما يجول في ذهنه عما قريب،

*******************************

نزلت سالي عن المسرح و هي تقول “هيا لنبدأ المشهد من اوله،”

 جلست بجانب اغراضها و هي تشاهد نجوى و جمال يبدآن الحوار،

*كليوبترا بعاطفة عميقة “يا حبيبي اتحارب روما بكل قواها و جبروتها لأجلي و لأجل مصر،”

انثوني بتأثُر بالغ “و هل تسأليني هذا السؤال بعد قصة الحب الطويلة بيننا؟ بعد عشرة هذه السنين و ليالي الحب التي جمعتنا؟ صنعت ما صنعت لأجلك انت و مصر و أوالادنا…”

كليوبترا بخوف و هي تضع يديها حول كتفي انثوني “يا انثوني انت ستحارب اقوى جيوش روما؟”

انثوني “أوكتافيا تريد ان تأدبني لأنني أحببتك أكثر منها،”

كليوبترا بنبرة مترجية “ارجوك…أعد لهم ما وهبت لأولادنا من الإمبراطورية و يكفي لنا مصر، يكفي حبنا و مصر يا أنتوني…”

انثوني بغضب و وجهه للجمهور “فات الآوان يا كليوبترا…الحقير أوكتافيون أعلنني خائن بروما و ها هو يتمتع بمجد المخلص بالأروِقَة السياسية و مجالس شيوخ قيصر…”

سارت كليوبترا الى يسار انثوني بحيث اصبح يمينها للجمهور، ابتسمت سالي مما فعلت الممثلة و قالت بصوت عالي “ممتاز،” ركعت كليوبترا و قالت مترجية و باكية بحرارة “اتوسل اليك يا حبيبي…يا نور عيناي ان تعدل عن محاربة روما، أنا السبب…أنا السبب أنا اعترف أن طمعي للسلطة جعلني اغويك لتعطي اجزاءا من اليونان و اقصى الشرق من إمبراطورية روما لأولادنا…و لكنني لم أكن أعلم ان هذا سيثير غضب اكتافيون لهذا الحد…كنت أظن ان وضعهم امام الأمر الواقع سيجلعهم يرضخوا لإرادتك…ارجوك اعد لهم ما أخذت و قد اعطاني يوليوس قيصر مصر قبل وفاته لأحكمها…هي لي و لك…ارجوك”

اقترب انثوني من كليوبترا و ساعدها على النهوض قائلا “فات الأوان يا حبيبتي…قد بارحت جيوش روما العملاقة منذ اسبوع الموانئ الحربية و ها هي على مشارف الإسكندرية البحرية، و ماذا تريدينني أن افعل…أن اعيد لهم ملكي؟ انتِ لا تفهمي اوكتاوفيا اخت اوكتافيون…قد أعمتها الغيرة منكِ لأنني احببتك اكثر منها…قلبها يشتعل بنار الغيظ و الغيرة من حبنا يا كليوبترا، هذه الجيوش لتقتلك انتِ و سلطتك بمصر و ثم لإذلألي…أكتافيا لا تريد لشقيقها ان يقتلني بعد خسارتي…تريدنني أن اعود لروما مكبل بالأغلال لكي اركع عند قدميها و اتوسل اليها ان ترحمني… …اريدك أن تبتعدي عن مصر!”

كليوبترا باكية “لن أتركك يا انثوني…”

انثوني آمرا “ابتعدي عن مصر كليا…ارسلت مخطوطا لملك الأنباط المُحِبْ و سيستقبلك انت و أولادك ريثما انهي معركتنا في مصر…”

كليوبترا بغضب باكية “لن أتركك…سيحارب جيشي الكبير مع جيشك…”

أنثوني أمرا “لن أدع روما تدمركِ انتِ و اولادنا يا كليوبترا…هذا امر مني ان ترحلي الى بلاد الأنباط فَمَلِكُها صديق لي و تفهم ظروفي مع روما، و بلادهم قوية و سيفكر اكتافيون مليون مرة قبل ان يغزيها بجيوشه…”

اجابت كليوبترا مجادلة “ارفض الإنصياع لأوامرك يا انثوني…انت اب اولادي…لن اتركك بمحنتك…ساعطي اوامري لجيشي بإعتراض سفن روما”

اقترب منهاو صفعها، فنظرت اليه لبرهة من الزمن ثم بكت قليلا فانتشر بالمسرح لبضعة ثواني شهيق بكائها، ثم ضربت صدره بقبضة يديها بضعة مرات بقهر ثم قالت مع شهقاتها  “أحبك لدرجة الجنون و لن يردعني عن مساعدتك لا صفعة و لا حتى لو جلدتني مئة جلدة كرباج…اعبد تراب قدميك و لن أدعك تواجه الموت بمفردك، إما أن نواجه روما سويتاً او إما ان نهرب سويتاً …فلن يكون هنالك خيار ثالث يا أنتوني…اسمعتني…افضل الموت على أن اراك مذلول لروما و لأوكتوفيا الخرقاء…”

سارت بمواجهة الجمهور قليلا على المسرح ثم تابعت الحديث و وجهها للجمهور “أسمعتني يا انثوني! اريد لروما كلها ان تسمع كم كليوبترا التي صنعت اكتافيا من سمعتها عاهرة بروما ان ترى كم كانت اصيلة مع زوجها و كم ساندته في احلك اوقات الظلومات، التاريخ سيكتب يا انتوني عنا و عن حبنا لأنه حقيقي و نقي و سيخلد عبر صفحات مخطوطات التاريخ…”

جرت  نحوه و قبلت شفاهه بحرارة ثم ضمها بحنو، وقفت سالي و قالت “رائع! رائع! رائع!، ” ابليتم بلاء حسناً بهذا المشهد، فالنحافظ على ما قدمتم، انا مسرورة من بعض الإرتجال التي اضفتيه للمشهد با نجوى، لقائنا بالغد في الثانية عشرة ظهرا لإجراء البروفة النهائية، لا تنسوا العرض سيبدأ بالثامنة مساءا،”

سارا جمال و نجوى للكواليس ليستعدوا للرحيل من المسرح بينما طلبت سالي رقم غرازيلا، رن هاتفها بضعة مرات ثم لمحت احدهم يسير بين صفوف المقعد متجها الى مخرج من المخارج، اجابت غرازيلا :هل انهيتي بروفة المشهد، انا بإنتظارك في مكتبي،”

” انا بطريقي اليك، كل شيئ على ما يرام، العرض سيكون مبهرا،”

” قبلت فضائية المتحدة الأردنية بتغطية عرض المسرحية! انا مسرورة جدا! و لكن لن يكون بثا مباشرا، ستبث المسرحية بعد العرض بثلاثة ايام!”

اجابت سالي بفرح “رائع! انا قادمة اليك!”

صرخت و هي تصعد المسرح “نجوى! جمال! المتحدة ستغطي عرض المسرحية!” اختفت وراء الكواليس وسط هتافات السرور من ابطال المسرحية،

**************************

طلب حلمي يوسف رقم محمد الهنداوي و هو يسير في شارع من شوارع الجامعة، اجاب محمد بعد عدة رنات قائلا “ماذا هنالك يا حلمي؟”

 اجاب “سجلت مشهد من مشاهد مسرحية كليوبترا التي ستعرض بالغد في باخوس، انتهت بأحضان و قبل حارة بين الأبطال! هذا عار على تاريخ الفن المسرحي الأردني العريق! فجور في مجتمعنا دكتور!”

اجاب بغضب “تعال لمكتبي، يجب ان ارى ماذا حدث! دواءهم عندي!”

اغلق حلمي الخط و ابتسم للهدية الذي وضعها القدر بين يديه، قال في ذاته “ضمنت النجاح بالمواد التي اقدمها عندك يا دكتور هنداوي، اي نعم وضعنا الوقود بجانب النار، و لكن سيدعمني الدكتور هنداوي كثيرا على ما جلبت له من انباء، فالتشتعل الدينا قليلا بينك و بين كلية المسرح…فبعد نفسي و مصلحتي الطوفان،”…يتبع

*مشهد كليوبترا و انثوني من تاليف فراس الور كاتب هذه الرواية، 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى