دفاعاً عن وحدة الأمة وليس عن د. زغلول النجار
سالم الفلاحات
ظهرت العلمانية في أوروبا بعد معاناتها في العصور الوسطى من التسلط باسم الدين.
لكن هذه العلمانية كانت بقدر الحاجة فقط، بحيث لا يتحكم الدين في الأنظمة السياسية، وأنْ تترك الحرية الدينية للناس، وعلى أن توفر الدولة الحماية لها، بمعنى أن لا تتحكم الدولة بالدين ولا يتحكم الدين بالدولة……. ومع ذلك يتمكن جورج بوش من الإدعاء ان الله أمره أن يغزو العراق في حرب الخليج !!
العلمانية الناعمة المطبقة في أوروبا قد تتبناها الشعوب العربية بسبب ما تعانيه من حرمان وظلم وفردية.
لكن العلمانية المبشر بها عند العرب والتي رأينا بعض ممارساتها وتطبيقاتها في بلادنا علمانية انتقامية إحلالية إقصائية تمارس العِداء المستأصل للإسلام نفسه، ويظهر أن خير مثال لها علمانية أتاتورك، والتي لم تصمد طويلاً، وهي بهذا المفهوم تطارد الإسلام حتى في الاعتقاد الفردي والأخلاق والقيم الذاتية.
لذلك يصبح التبشير بهذا الحل الغائب المفقود الذي يضع العرب على سكة الأمم المتحضرة بعيد المنال ولا يتوقع له النجاح ما لم يتصالح العلمانيون الواعون مع بقية شرائح الأمة، وما لم تتم مراجعات جادة للمسيرة بأكملها من الجميع.
وإذا كان الإنسان في ظل العلمانية هذه سيحرم من حقوق شخصية كفلتها الأديان السماوية حتى لمن خالفها حيث قال الله تعالى: “لا إكراه في الدين”، وحمتها الشرائع البشرية واحترمتها فما معنى هذه النظرية الجديدة ؟ وأين الحرية إذاً ؟ وهل هذه علمانية ؟
وبعد الجهود التي بذلت في المنطقة العربية للتفاهم والتعاون والتكامل بين أبناء الأمة الواحدة على اختلاف معتقداتهم ومذاهبهم الفكرية والسياسية من إسلامية وقومية وليبرالية وعلمانية، وتداول الطرح الديمقراطي وتقبل الكثيرين للدولة المدنية ومقتضياتها، يصر البعض ولا أدري على اي أساس يتكئون ولأي مذهب منطقي ينتمون على تدمير هذه الجهود، ولا تجد تفسيراً لهذا السلوك النزق سوى الإصرار على تمزيق الشعوب وتفرقها لتبقى فريسة سهلة لأعدائها والمتسلطين عليها وللحيلولة دون وحدتها ونهضتها.
وعندها سيُسْقطُ في أيدي الذين بذلوا ويبذلون الآن جهوداً كبيرة لإعلاء قيم التفاهم والتعاون والبناء الاجتماعي ولحمة المجتمع، بدلاً من الصراع التاريخي، والعودة لحالة التمترس والتعصب الأولى، واحتكار الحقيقة، واحتقار الآخر، وتقديس الذات والتي دفعت الشعوب العربية ثمناً باهظاً لها.
إن مجاوزة من ينادون بالعلمانية في بلادنا للمعقول والمجرب والممارس في العالم، يجب أن تجد من يصحهها من طرف رواد العلمانية الحقة ودعاتها أنفسهم، ليأخذوا على أيدي هؤلاء الذين يسيئون إليها، وليتبرأوا من طروحاتهم وأفعالهم وتجاوزاتهم التي لا تنتمي لأي فكر إنساني منظم متقدم، لأن الاستمرار بهذا المنهج يسيء إلى الأفكار والمناهج نفسها أكثر من إساءته للآخرين.
وإذا كان كل مسلم واع يتوجب عليه الزاماً أن يعرّي منهج التطرف والغلو والجمود والتحجر وممارسته، ويدينه لتتضح المسافة الفاصلة بينه وبين الانحراف بأي اتجاه، فإن على المعسكر العلماني الليبرالي الحداثي الذي يظن أن الحل بين يديه أن يأخذ على يد المتطرفين منه ويعرّيهم ويعبّر عن هذا التيار بصورته الحقيقية.
قد تتفهم في بيئات التخلف والجهل والانغلاق النزاع بين الحزبييَّن، عندما لا تكون الحزبية تنافساً لخدمة المجتمع.
أما أن تكون الحرب في عصور الوعي والثقافة والتجارب البشرية الواسعة على المقدسات الحضارية المحترمة لأي أمة بل وعلى حاضر الامة ومستقبلها بحجة العلمانية (بفتح الميم أو كسرها) فليس بعد ذلك من خطيئة وتخلف ودكتاتورية.
وأن يصل الأمر لمنع نقل وجهة نظر علمية من مختصين على مستوى العالم وليسوا هواة في قضية علمية محددة ليعرضها للبحث والنقاش، ولست هنا في وارد الدفاع عن محتوى معين.
ما جرى في مجمع النقابات في عمان يسيء للجميع وقد يعيد خلط الأوراق، ويعيد المثقفين أو بعضهم للمربع الأول قبل سبعين سنة من الصراع، ومنهج الإنكار والإلغائية التي لم يستفد منها إلاَّ أعداؤنا.
أمّا البروفيسور زغلول النجار فهو بشر يؤخذ من كلامه ويترك، رحبت به دول كثيرة ليقيم بها /بعد أن ارتفع منسوب الحرية في مسقط رأسه/ !! لكنه آثر الأردن في وقت مبكر بعلمه ووعيه وخبرته وإقامته وأفادت منه الجامعات الأردنية، وهو الرجل الذي يعرف حدوده ولا يتدخل في خصوصيات غيره، ولا يخوض في أي حديث سياسي مع أنه العالم والمثقف والسياسي، ولا يُستَقْدم في فنادق ولا تدفع له تذاكر طائرات ولا يكلف أحداً فلساً واحداً.
ويزيد الطين بلة أن ليس هناك أي مشكلة بين د. زغلول النجار وبين من أساءوا في تلك المحاضرة أو حاولوا منعها، ليخلص البعض إلى أنَّ العداء هو للقرآن نفسه الذي يستشهد به النجار أو يستنتج منه وهنا الطامة الكبرى، فمن المستفيد ؟
12/7/2017م