
مقال الإثنين 21-8-2017
النص الأصلي
الكلمة الفصل..
كنّا في الصف العاشر عندما قررنا الذهاب إلى مديرية التربية وتقديم شكوى رسمية بحق مدرّس الرياضيات الذي لم يكن يشرح لنا الدروس شرحاً وافياً، مكتفياً بمثال وحيد على اللوح ثم الخروج من منتصف الحصة ليلحق بمحاضرات الجامعة حيث كان يكمل مرحلة الماجستير آنذاك ، وكلما طلبنا منه أن يعيد الدرس أو يزيد من الأمثلة كان يقلب شفته السفلى ويقول “بالله؟..فاضي لشكلك أنت ويّاه”..ثم يحمل دفاتره ويغادر ،وقدّ رددها أكثر من مرة “سقا الله وأنا مخلص الماجستير ومتريح من هالوجوه زي وجوه العنز”..وصلنا إلى مكتب المدير الفنّي بالتربية وسردنا لنا معاناتنا كاملة ، هزّ رأسه وتجاوب معنا أيما تجاوب ، واعداً بالحل والتغيّر الجذري بسلوك المعلّم خلال الفترة القادمة ، جازماً أنه لن يتهاون بالتقصير فصفّنا “العاشر” حسب تعبيره على مفترق طرق ، ثم أكّد لنا أن شكوانا سيتمّ التعامل معها بسريّة تامة ثم اخذ أسماءنا كاملة و طلب منّا العودة الى المدرسة..في اليوم التالي حضر نفس المعلم إلى الحصة بوجه مقلوب وبعصبية مضاعفة ..أغلق الباب ،ثم أوقفني وأوقف زملائي الخمسة الذين رافقوني في الشكوى وافتتح حديثه : “بتستحوش ع حالكو تشتكوا علي عند مدير التربية..عسّوا وجوهكو..أحّ..اسمع انت وياه هاظا اللي عندي فهمتوا وإلا عمركو لا فهمتوا “خليهم يقطعوا(….) وأشار الى مكان من الصعب ذكره الآن لكنه قريب من الجيبة الخلفية ثم استأنف الدرس بنفس الطريقة المملة المبتورة ..لا بل ساءت معاملته لنا حتى نهاية السنة ، من يومها تأكدّت أنه من الجنون إعطاء السرّ لإثنين: ” المرأة والحكومة”!.
**
ما حدث مع م.هدى الشيشاني مديرة العطاءات العامة التي أُنهي عقدها بشكل مريب ، يشبه تماماً ما حصل معنا قبل ربع قرن بلّغت الحكومة عن قضية فساد فكافأتها بأن أنهت عقدها ، كمراقبين ومواطنين عاديين نرى أن حماية الشاهد والمبلّغ عن قضايا الفساد ليست واجباً او ضرورة وحسب ،بل هو الواجب والضرورة بعينه، غير ذلك سوف لن يكون هناك أي معنى لوجود هيئة مكافحة الفساد ان لم تتمكّن من حمابة شهودها ، كيف سيتجرأ الموظف الشريف في الإبلاغ عن تجاوزات الدوائر والمدراء والوزراء ما لم يتم حمايته ، كيف سنقنع الموظف العام بضرورة التعاون وهو يرى نموذجاً حياً أمامه ؛ من يقول الحق يدفع الضريبة وحده ،ويتم الانتقام منه برزقه ومصادرة وظيفته والقصاص منه على نزاهته..والحكومة تتغوّل على كل شيء وتفترس كل من يكشف سوءاتها ،يجب الا تقف الهيئة موقف المتفرّج في قضية المهندسة الشيشاني وقضايا الشهود الآخرين..
ثم كيف للهيئة ان تترك التراشق بين مديرة العطاءات السابقة ووزارة الأشغال دون ان تتدخّل وتقول كلمتها الفصل في قضية الفساد المطروحة ، لماذا لا تكون الهيئة هي الحكم فكل الأوراق والاثباتات والأدلة وحيثيات القضية أمامها…
هل ينفع السكوت في هكذا مواقف؟؟!…الوطن أهم من كل الأشخاص ،وإثبات الجدّية في الحفاظ على النزاهة أهم من كل الثرثرات والحبر و الورق..
فهل ستقول الهيئة كلمتها؟؟..أم سنندم جميعاً أننا أعطينا “سرّنا لحكومة”؟!!
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com