الصياد والمليونير / سهى عبد الهادي

الصياد والمليونير

استوقفتني قصة وحوار طريف يبحث في معنى الحياة والسعادة بطريقة تختلف عن المنظور الإعتيادي والمألوف ، يدور الحوار بين صياد فقير معدم الحال يعمل لتوفير قوته اليومي فقط ومليونير يمتلك من الشركات والأعمال ما يحلم معظم الناس لإمتلاكه .
بينما يجلس الصياد مسترخيا على حافة الشاطئ ، مستمتعا بظل شجرة صغيرة ، نافثا دخان سيجارته بسكون وتأمل ، يمر به مليونير ورجل أعمال ناجح يسأله بفوقية وتعال واضح عن سبب جلوسه دون ما عمل ، فيجيب الصياد بأنه قد انهى اصطياد كمية الأسماك التي تكفيه ليومه هذا .
تستفز اجابة الصياد صديقنا المليونير ليعاود السؤال بإستهزاء غير خفي …
وماذا تفعل باقي النهار عدا عن جلوسك هنا مضيعا وقتك ؟
الصياد : أنام متأخرا ، اصيد بعض السمك ، الآعب اطفالي ، اخذ وزوجتي قيلولة الظهيرة ، ثم التقي ببعض الاصدقاء في المساء ، بإختصار لدي حياة حافلة ومليئة .
المليونير ( بغضب ) : لماذا لا تصيد كمية اكبر من الاسماك ؟
الصياد : وماذا افعل بأسماك اكثر ؟
المليونير : عند اصطيادك اسماك اكثر يمكنك بيعها لتكسب مالا اكثر ثم تشتري قاربا اكبر .
الصياد : وماذا افعل عند ذلك ؟
المليونير : عندها تستطيع الصيد في المياه العميقة فتجمع سمكا اكثر وتربح مالا اكثر
الصياد : وماذا افعل عند ذلك ؟
المليونير : يمكنك شراء مجموعة قوارب ، توظف صيادين آخرين يعملون لديك ، فتكسب مالا اكثر
الصياد : وماذا افعل عند ذلك ؟
المليونير : بذلك تصبح رجل غني ورجل أعمال مثلي
الصياد : وماذا افعل عند ذلك ؟
المليونير : عندها تستطيع التقاعد والانتقال الى بلدة صغيرة تطل على البحر فتنام اكثر وتصطاد اقل وتستمتع بسلام الحياة وسكونها .
الصياد ( مبتسما ) : اليس هذا ما اقوم به الآن ؟

نميل في معظم الوقت لتعقيد ما حولنا ثم تفكيكه وحل رموزه في محاولة لفهمه كما يجب ، معتقدين أن الخير كله يكمن فقط في النهايات والنتائج ، لنهمل بذلك الطريق والرحلة نفسها والتي تتحول بدورها الى سباق جري محموم يحصد معه اجسادنا وارواحنا ويحرمنا تذوق نكهة الحياة الحقيقة ببساطتها .
كم منا يغفل عن الإحساس بالسعادة مع تمتعه بنعم الله عليه على اختلاف اشكالها ويعتبرها من المسلمات التي لا تستوجب الإلتفات اليها ، يقضي عمره يكد ويتعب باحثا عن السعادة معتقدا انها لا تأتي الا بعد خوضه غمار حروب الحياة المادية والاجتماعية فيمضي ايامه وسنينه راكضا يلهث وراء المناصب والألقاب الرنانة والثروة والنفوذ والعلاقات المزيفة ، لتضيع مع حروبه وانفاسه اللاهثة احلى لحظات الحب والمودة وتلك التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها ، كدعوة ام صادقة منبعها قلب نابض بالحب له ، وابتسامة زوجة وفية تملكه الدنيا بابتسامتها ، او نظرة حب يحن بها على من يحب لتختفي معها كل لغات الدنيا ومفرداتها ، ومشاكسة طفل يختصر كل مسافات العالم بين يديه حينما يمدهما لإستقباله ، ولحظة لطالما تمناها يرى فيها ابنه الصغير وقد اصبح شابا صالحا يقر به عينيه كأعظم انجازاته على هذه الارض .
يركض ويركض … متناسيا ان القطار عندما يسير مسرعا على سكته الحديدية مخلفا وراءه تلك المناظر الجميلة على جانبيه لن يعود اليها ابدا ولن يستطيع استحضارها حين يقف الا كذكرى ضبابية باهتة وكأنها ما كانت الا صور ولقطات لشريط فيلم سينمائي مر كلمح البصر امام عينيه دون ان يكون هو بطله الأول .
هذه ليست دعوة للكسل والتوقف عن العمل الجاد والطموح بل هي دعوة للتمهل قليلا لتأمل ما يعطي الحياة معناها الحقيقي فنحن لا نحتاج ان نكون اغنياء لنشعر بقيمة الحياة وسعادتها مع من نحب والتي قد تكون اقرب الينا مما نتصور .
ولك صديقي حرية الإختيار والقرار بأن تكون الصياد أو المليونير ، وان تعيش الرحلة بتفاصيلها او تنتظر النهاية السعيدة اذا ما تبقى لك من أجل .

صدق الله العظيم حين قال ( لقد خلقنا الإنسان في كبد )

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى