تأملات قرآنية

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآيتين 8-9 من سورة المتحنة: “لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون”.
لقد أنزل الله الدين ليبين منهجه القويم، الذي أمر عباده المؤمنين باتباعه، هذا المنهج هو خارطة طريق تحدد المسار للدولة الإسلامية، والقواعد التي تحدد سلوك الأفراد.
فعندما تطورت المجتمعات الى الدرجة التي تمكنها من استيعاب التشريعات وتطبيقها كنظام سياسي عالمي، وليس مجرد عبادات معززة بوصايا إصلاحية للأفراد كما هي العقائد التمهيدية السابقة، عندها أكمل الله الدين بالرسالة الخاتمة، فذلك ليتم نعمته على البشر الحائرين منذ القدم في البحث عن المنهج السياسي الأمثل الذي يحقق سعادة الإنسان وكرامته ويلبي متطلباته.
من هنا نفهم لماذا أكد الله إن الدين عند الله الإسلام، فلكونه من الخالق لذلك فهو النظام المثالي الكامل، فمن تنكبه واتبع مناهج بشرية تجريبية، فهو بلا شك ضال خاسر.
فالمسار الصحيح للإنسان هو الصراط المستقيم الذي يصله بخالقه مباشرة، لأن أي مسار عبر وسطاء أو وكلاء سيكون معوجا، ولذلك وحتى يقطع الله الطريق على هؤلاء الوسطاء، ضمّن منهجه في القرآن الكريم، وتكفل بحفظه من العابثين.
ولأن هذا المنهج لا يمكن تطبيقه إلا بنظام سياسي يكفل امتثال المجتمع لتشريعاته في كافة الأصعدة: سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، أمر نبيه الكريم بالهجرة الى يثرب وتأسيس دولة تكون أنموذجا تستنير به الأنظمة السياسية لكل الأزمان القادمة.
هاتان الآيتان محكمتان، وجاءتا في باب تحديد السياسة الخارجية للدولة الإسلامية، ولأسس علاقاتها مع الدول الأخرى.
الصياغة جاءت بالنهي، وهي أقوى صيغ المنع، وعندما يسبق ذلك النهي ما هو مسموح به، فذلك لقطع الطريق على أي متفذلك ذي غرض ينوي التفلت من الأمر بليّ عنق الآية.
لذلك فلا مجال لتفسير الآيتين معا بغير وجه واحد، وواضح لا لبس فيه، وهو عدم جواز عقد التحالفات ومعاهدات التعاون مع الأعداء تحت أية ذريعة، كما أنه تعالى لم يدع مجالا للحاكم بتحديد من هو العدو، فحدده بثلاثة:
1 – الذين قاتلوكم في الدين، أي أن عداءهم لكم لم يكن على خلافات تجارية أو اقتصادية، فتلك يمكن حلها بالتفاوض والاحتكام الى الحق، لكن عدوانهم عليكم كان لصدكم عن اتباع منهج الله في نظام الحكم، ولإجباركم على تركه واتباع منهجهم في النظام السياسي، ومن المهم هنا بيان ضلال شيوخ السلاطين الذين اقتصروا تعريف المعادي للدين بأنه من يمنع رفع الأذان وإقامة الصلاة، بل هو من يمنع تطبيق منهج الله سياسيا، فيعتبر الجـ.هاد إرهابا، فقد كان مسجد الضرار تقام فيه الصلاة لكن الله أمر نبيه الكريم بهدمه، لأن إقامة الصلاة كانت لإخفاء نوايا الإرصاد بالدين.
2 – الفريق الثاني من الأعداء هم من احتلوا أرضا من ديار المسلمين وأخرجوهم من ديارهم، وهذه المواصفة منطبقة تماما على الكيان اللقيط، لذلك أية معاهدة تعاون مع هذا الكيان محرمة قطعيا، ومن يخالف أمر الله هذا وضعه الله في خانة الظالمين، ومن المهم هنا التذكير بمن عناهم الله بالظالمين في قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين” [المائدة:51]، لذلك نستدل أن جريمة تولي الحاكم أعداء الله، بمعاهدة تطبيع او تحالف عسكري او منحهم قواعد عسكرية في بلاد المسلمين، هي التي سمى مرتكبيها (الظالمين)، وعقوبة الظالم عند الله وخيمة: “إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها” [الكهف:29].
3 – الفريق الثالث هم أيدوا أوناصروا أودعموا هؤلاء المحتلين، ويشملوا الدول الغربية التي أقامت الكيان اللقيط، والتي ما زالت تمده وتغطي على جرائمه وآخرها في غ.ــز.ة، لذلك يحرم موالاتهم ومحالفتهم قطعيا.
ويشاركهم في العداء للدين الحكام العرب المشاركون للعدو في ملاحقة المجـا.هديـن وقطع المدد عنهم.
كل هؤلاء اختاروا جهنم مصيراً، لكن الأخسر منهم من سيصلاها جراء دعمه أو موالاته أو حتى تأييده لهؤلاء الظالمين، إذ لن تنقذه صلاة ولا صوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى