بلا مجاملة

#بلا_مجاملة

د. #هاشم_غرايبه

في هذه الفترة العصيبة، حيث يتعرض المسلمون المجاهدون في غزة الى نيران الحقد التحالف الصليبي التاريخي، فيما تقف الأنظمة الحاكمة لديار المسلمين بعضها متفرج تقاعسا، وبعضها متحالف مع الأعداء خيانة، يتساءل المرء أين يقف مؤيدوها الآن الذين يعتبرون ابن تيمية شيخهم، ومجدد الفكر السلفي؟، هل هم متبعون حقا لمنهجه و نضاله للتحريض على الجهاد ضد الغزاة المغول، أم مؤيدون للأنظمة المخذلة عن الجهاد وتعتبره إرهابا، بذريعة وجوب طاعة ولي الأمر؟.
الأمر مفصلي الآن، ويجب على من يعتبر نفسه متبعا للفكر السلفي أن يحدد موقفه، ففي الدين ليست هنالك مواقف متأرجحة، وليس هنالك من تقية في الإسلام، بدليل: “أفضلُ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند سلطان جائرٍ”.
لذلك فعلى أئمة السلفيين الحاليين وعلماؤهم، واقتداء بما فعله ابن تيمية في زمانه، أن يقولوا كلمتهم الآن وبصوتٍ عالٍ، ويُتبِعوا قولهم فعلاً يصدّق به، فيأمروا بالمعروف الذي هو نصرة المسلمين بالحد الأدنى الممكن على الأقل وإمدادهم بالمال والسلاح، ارتقاء الى استخدام كل الوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية.
كما عليهم واجب النهي عن المنكر، وهو إدانة كل نظام حكم يعتبر المقاومين الإسلاميين إرهابيين، وكل من يحالف عدو الله وعدو المسلمين (الكيان اللقيط)، أو يطبع معه أو يقيم معه علاقة على أي مستوى، أو يعاهد موجديه وحماته على المسلمين، بمنحهم قواعد عسكرية في دياره.
إن الذي يتحجج بحديث “ولو جلد ظهرك”، يعلم أن حجته باطلة، والدليل أن هذا الحديث لم يأخذ ابن تيمية به، ولم يوقفه عن دعوة الناس للتمرد على الأمراء الخانعين، ولم يمنعه قضاؤه أغلب عمره بين السجون والمنافي عن مواصلة الدعوة للجهاد.
ولو تأملنا في النص القرآني الذي هو أقوى من الحديث، في قوله تعالى في الآية 59 من سورة النساء: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ..”، لوجدنا أن لفظة (أطيعوا)، تكررت مرتين، قبل لفظ الجلالة ولفظة الرسول، مع أن طاعة الرسول هي من طاعة الله.
وذلك لأن طاعة الله – الإله – الرب هي أمر مطلق ومقطوع به، لكن طاعة الرسول البشر متأتية من عنصرين: الأول: انها في الجانب التشريعي جزء من طاعة الله، إذ هو رسوله المبلغ لأوامره، وفي الثاني كقائد سياسي للأمة المسلمة.
هنا نفهم لماذا لم تكرر (وأطيعوا) قبل (أولي الأمر)، فطاعة ولي الأمر عطفت على طاعة الرسول لأنها ليست كالطاعتين السابقتين، بل هي جزء من طاعة الرسول كقائد سياسي كون الحاكم خليفة له، لكن ليست من طاعة الرسول التشريعية.
وذلك لأن الدولة الإسلامية ليست دولة دينية، فالحاكم منصب إداري، وليس له موقع تشريعي، ولا يستمد السلطة من الإرادة الإلهية، بل من التفويض القيادي السياسي كخليفة لأول قائد للدولة الإسلامية الذي هو النبي صلى الله عليه وسلم، بصفته السياسية وليست التشريعية.
لذا فليس في الإسلام تحديد للحاكم بأنه محصور بالفقيه ولا وليه، بل أيٌّ ممن يختارهم المسلمون من بينهم، فقد انقضت الخلافة التشريعية بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا نبي بعده، وبقيت الخلافة السياسية.
وذلك تفسير مجيء طاعة ولي الأمر معطوفة على طاعة الرسول، فهي لتبيان أنها طاعة مستمدة منها وليست أصيلة بذاتها، بمعنى أنها تكون واجبة إن كان ولي الأمر مطيعا للرسول متبعا لنهجه ومطبقا تماما للشريعة التي جاء بها، كشرط أول.
والشرط الثاني أن يكون (منكم)، أي من بينكم كمسلمين وباختياركم الحر، وليس مفروضا عليكم من جهة أخرى خارج إطار المرجعية الوحيدة (طاعة الله ورسوله).
من ذلك الفهم كان قول الخليفة الأول (أبي بكر)، في أول خطاب له بعد تنصيبه: “أَطِيعُوني ما أَطَعْتُ اللَّهَ ورسولَه فإِذا عَصَيْت اللَّهَ ورسولَه فلا طاعةَ لي عليكم”.
لذا لو كان حديث “ولو جلد ظهرك” الذي يعتد به شيوخ السلاطين على وجوب طاعة ولي الأمر المتولي السلطة طاعة مطلقة.. لو كان موجودا زمن أبي بكر، لكان هو أحرى الناس بمعرفته واتباعه، ولما احتاج لقوله هذا.
وأخيرا.. أليس أبو بكر هو شيخ السلف الصالح وأميرهم قطعا؟.
فلِمَ لا يتبعوا منهجه، فيما يناقض رأي الوهابيين؟.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى