صور تحت المطر / ثروة الزعبي

صور تحت المطر
في ذاك الركن كانوا يتسابقون على نوافذهم، يرسمون وجها ضاحكا على البخار القابع على الزجاج، يركضون الى والدتهم لترى ما خطت ايديهم من صور وحروف. يلتفون حول تدفئة صغيرة لكن دفء ارواحهم وكثرة حركتهم تحول الشتاء صيفا. نظرت لهم بعين قلبها وادركت كم هي محظوظة بهم؛ وكيف لا وهم ضيوف صغار في بيتها هم شتاؤه وغدا سيزهرون وسيتركوا الصور على النوافذ تحكي قصصا على البخار لا يصدقها الا من شهدها.

وهناك في البعيد من ينظرون الى السماء، الى الخير المخبأ بالغيوم، يتذكرون الماضي ومواسم الزرع والحصاد، يعلمون انه كلما مر موسم انقضى من العمر وطرا؛ لكنهم لا يخافون تختلط ارواحهم بعبق التراب يتنفسون الارض التي منها خلقنا، واليها نعود ومنها نبعث تارة اخرى. لا يخافون مواسم المطر برغم همساته لهم بأن موسم الزرع انقضى وقد شارفتم على الحصاد.

أما هي فقد لملمت أوراقها المبعثرة ، وتهيأت لتستقبل زائرا دق نافذتها. تركت كل شئ خلفها حدقت في البعيد واخذت تنظف ذاكراتها هاربة من كل شئ. اقتربت اكثر من نافذتها احست ببرودة الزجاج تطفئ نار فكرها المستعر على قريب ابعدته الغربة، وعلى ايام تنقضي من العمر ولا تعود. شعرت بالحنين والمطر موسم الحنين فوضعت يدها على جنينها ادركت انه معها ويسكن داخلها؛ فما اشبهها بالارض وما اشبهه بالمطر .

وفي ركن اخر من زوايا النفس العجيبة تروى حكايات من غابوا من كانوا هنا، من تركوا اثرا لا ينسى . فهنا ضحكاتهم وهناك همساتهم اما في القلب فقد حفروا وجودا لا ينسى في كل المواسم.
تحت المطر تحكى الاف القصص وتحدث الف حكاية، لكن بعد المطر تشرق شمس الشتاء على استحياء تتلون السماء بالوان قوس قزح وتزهر الارض وتستمر دورة الحياه وكأن شيئا لم يكن .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى