الشمعة التاسعة والعشرون / روان ضيا

الشمعة التاسعة والعشرون

مثل رمشة عينٍ… مضت أيامٌ كثيرة من العمر، أيامٌ محملة بالأمنيات، وأيامٌ محفوفة بالذكريات، منها ما كنت أحبو فيه وأدرج بهدوء طفلة متعثرة الخطوات، ومنها أيامٌ طرتُ فيها مثل فراشة في عزّ عنفوانها، وأيام تعثرت بها وسقطت وتهشّم منها القلب، وكم تمنيت لو أنّ لي سلطة على العمر لأستطيع إيقاف بعض اللحظات.

ربما كان العام الثامن والعشرين من عمري عامًا زخمًا صاخبًا أكثر من جميع ما سبقه من أعوام، خصوصًا انّه عامٌ مليءٌ بالتناقض، تعلمت فيه أشياء غريبة ربما كان من الصعب تقبّلها بدايةّ، فأبي وأمي غرسوا فيّ مفاهيمًا مختلفة عن هذا العالم الذي اكتشفت جانبه الأسود وصادفت فيه الكثير من الوجوه المزيفة.

كان أبي يقول لي دومًا حديث رسول الله –عليه الصلاة والسلام-: ” لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، وأمي لم تكن تفوّت أي فرصة لتقول لي: ” اتركي كل شي لربك”، وأنا حفظت الدرس جيدًا وفهمته، واتخذت من هذا طريقًا لي، ورغم الظروف والمواقف وتبدّل الأشخاص من غرباء أو أقرباء لكنني لم اتبدّل ولم اتغيّر، أو هكذا أحاول، وفي عامي المنصرم اختبرت الكثير من المشاعر القاسية، أولها الندم الذي يأتي بعد الخسارة وفوات الوقت.

مقالات ذات صلة

قررت بعد عامي الثامن والعشرين أن أغير أشياء كثيرة، وأن أختبر نوعًا جديداً من الحياة، قررت طي الصفحات الماضية والبداية من جديد والوقوف بكل قوة وامتلاك الجرأة لقول: “لا” لكثير من الأشياء في حياتي، وعلى الرغم من أن التخلّي ليس أمرًا سهلًا، إلا أنني أرى أن العودة لنقطة الصفر أفضل بكثير من المضي في طريقٍ لا يوصل لأي شيء سوى التنازل أكثر فأكثر، وكان أول قراراتي ترك العمل في الوظيفة التي عملت فيها ثلاث سنوات، تركته دون أن افكر في كيفية الحصول على عمل جديد، لكنني كنت شجاعة بما يكفي لاتخاذ هذا القرار.

الفشل الحقيقي يكمن في إهدار الوقت دون تحقيق أي شيء جديد، ويمكن أن يكون بعدم الإنجاز بعد كل التعب، ويمكن يكون باللجوء إلى البكاء أو الهروب أو الاستسلام، لكن دائمًا يوجد بصيص أمل ونور في آخر النفق يدفعني للشعور بالسعادة، وما أحبه في نفسي أن السعادة عندي ليست مقرونة بهدف أو قيد أو شرط، لأن السعادة المتولّدة مع الأشياء سعادة مؤقتة وليس دائمة …

الآن وأنا أقف على أعتاب عامٍ جديد من عمري، أرجو من الله أن تتوقف الحروب، وأن يصبح الكذب والنفاق أقل، وأن تسود العدالة، وأن تعود الشام إلى حضن الفرح، وأن تظلّ كما هي في الذاكرة دومًا تفوح بعطر الياسمين الشامي، وأتمنى أن اعود إليها لأرى كلّ من أحبهم من أهل أمي وألمح بها ذكريات طفولتي، وأتمنى أن يبتسم الحظ في وجهي وأن نكون أقداري القادمة أجمل من كلّ ما مضى، وأن يظلّ كلّ من أحبهم إلى جانبي.

شكراً لكل من له في القلب نبض “أمي وأبي وأخوتي” شكراً لعائلتي وأصدقائي الذين لم تبدلهم الظروف يعرفون مكانتهم في قلبي، شكراً شكراً لصديقتي التي تدعمني في مسيرة كتاباتي” عاتكة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى