السماء الثانية

السماء الثانية
الحسين قيسامي

ارتعدت فرائصي، قفز قلبي إلى حنجرتي هلعا.ربطت أحزمتي و طرت في السماء حتى تواريت خلف السحاب.يقال ان السماوات ما فوق الرقيع (السماء الاولى) لا تصلها كورونا. وصلت الى السماء الثانية (قيدوم)…وهي على لون النحاس… لها تسعة أبواب نسبةً إلى الكواكب التسعة التي تدور حول الشمس المعروفة …عطارد، والأرض، والمشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون، وبلوتو…نحتت رموز هذه الكواكب على الأبواب…ظلام دامس وشعور بالقلق يداهمني…خلعت قناعي ونزعت قفازي وتساءلت عن سر لون النحاس في كل مكان؟ تذكرت عمي احمد و هو يجلس في ساحة الصفارين، ممسكاً بمدقته الحديدية ضاربا على آنية من النحاس أمامه، مُعيداً إحياءها وتلميعها، لتصبح براقة. كل خطوة لقدمي تصدر صوتا جعلني اشعر وكأن هناك من يطاردني. ولكني نفضت هذة الوساويس عن رأسي وأنا أواصل المشي في طريقي …في عالمي الجديد نسيت كورونا والهلع المصاحب لهذا الوباء…على الأرض قد نموت من الخوف قبل الموت من كورونا …الجميع خائف، العالم بقادته وشعوبه، فقراء دوله وأغنيائه، مشاهير البشر ومجاهيلهم، كل هؤلاء في حالة خوف من ذلك العدو الغامض. تأملت في الفضاء فسبحان الله الخالق المصور بديع السماوات، بديع كل شيء، نور السماوات والأرض، القادر العزيز جل وعلا…عندما أتأمل السماء أرى الجمال الذي رسمه الخالق..وعندما أتأمل الأرض أرى إبداع الخالق. فجاة سماء النحاس تمنحني طاقة ايجابية وكما هو معروف النحاس يمكنه طرد أي طاقة سلبية من البيت أو من الانسان نفسه ، وذلك عن طريق ارتدائه أو تعليقه على باب المنزل قطعة من النحاس… تذكرت وفهمت دور حدوة الحصان النحاسية التي كان يعلقها الأجداد على أبواب المنازل قديما من أجل طرق الباب كبديل للجرس.ومن هنا فهمت لماذا لا تصل كورونا السماء الثانية…واصلت طريقي، وإذا به رجل، له لحية خفيفة، بياضها يبدو طاغياً على سوادها…إنه عمي احمد الذي وافته المنية قبل عشر سنوات…العم الذي كان معروفا في ساحة الصفارين، حيث تنقش الأواني النحاسية وتبدع أنامل الصانع التقليدي في تشكيل أباريق وصحون يقبل على اقتنائها الزوار من داخل البلاد ومن خارجها…ارتعدت لدى رؤيته من شدة الهلع…وقف شعري وسألته: هل أنت في جنة الفردوس يا عمي؟
اجابني بابتسامته المعهودة وبكلمة كان يرددها لي منذ صغري: ” مول الحانوت خصو يكون قاعو من الرصاص ووجهو من النحاس”
وانفجرنا بالضحك نحن الاثنين…والثلاثاء و الاربعاء و الخميس و الجمعة و السبت و الاحد العيد الصغير..عيد فطر سعيد وكل عام وأنتم خير .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى