ماء وأكل وأخلاق / د . خالد غرايبة

ماء وأكل وأخلاق
حدثني كثيرون من اجيال والدي ان صيف عام ١٩٧٥ كان صيفا صعبا على سكان مدينة اربد اذ ان ازمة المياه كانت خانقة وكان على المواطنين ان يتحملو شح المياه في بيوتهم وان يتدبروا امرهم بالذهاب الى اماكن بعيدة للحصول على ماء للشرب.

كانت المشكلة تكمن في توسع المدينة وازدياد عدد سكانها الذي اعقب حرب عام ٦٧ واعتماد المدينة على مصدر وحيد للمياه هو عين ماء راحوب في بلدتي الاصليه المغير و الذي تم سحب مياهه في منتصف الثلاثينيات على يد متصرف اربد انذاك المرحوم عبدالمهدي الشمايله و الذي لم يعد مخزونه يكفي المدينه.

في نهاية السبعينيات (الفترة التي وعيتها) قامت الحكومة بتوفير المياه لمدينة اربد من مصدر اخر هو مياه الازرق وتم تغذية معظم المناطق منها. اتذكر ذلك اليوم تماما عندما انتهت الاعمال الفنية لتحويل خطوط المياة وفرحنا بوصول المياه الى صنابير بيوتنا بعد طول انقطاع. ولكن كانت المفاجأه ان طعم الماء الجديد كان فيه من الملوحة ما يجعل شربه مستحيلا اذ اننا اعتدنا على طعم ماء راحوب العذب و شديد النقاء. المشكلة الاخرى كانت في تجهيز ابريق من الشاي، والذي كان ولا زال متعة الكثيرين من اهل المدينة، حيث لاحظ الجميع ذهاب نقاء كوب الشاي المعهود وتحوله الى اشبه بمحلول معلق وظهور طبقة من الزيت على سطحه جعلت شربه اشبه بشرب جرعة دواء كريهة الطعم.

قد لا نستطيع ربط زوال نقاء كوب الشاي بزوال نقاء قلوب شاربيه ولكن اعتقد ان تغير طعم الماء في نهاية السبعينيات رافقه تغير كبير في سلوك الافراد خصوصا مع تغير عمران المدينة و تركيبتها السكانية في تلك الفترة و تحول مجتمعها القروي الى المدنية، خصوصا مع نشأة جامعة اليرموك فيها، وسكناها من قبل الطلاب القادمين من مناطق مختلفة من المملكة اضافة الى ما رافق ذلك من هجرة ابناء القرى المجاورة اليها للعمل والتجارة.

مقالات ذات صلة

لقد تغير طعم الماء في اربد وتغير معه الكثير من الاشياء في بداية الثمانينيات.

في ايامنا هذه ييدو لي ان تغير طعم الاكل فيها، مع دخول ثقافات جديدة بسبب هجرة اشقائنا العرب بأعداد هائلة اليها، سيرافقه تغيرات كبيرة في طبيعة الحياة وفي اخلاق المجتمع.
ولكني اشعر ان التغير المتوقع هو اختناق المدينة واختناق ساكنيها قبل احداث اي تطور عمراني او قيمي.

ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى