المختلفون هم الذين يغيرون العالم / سهى عبد الهادي

المختلفون هم الذين يغيرون العالم

عندما يقترب اطفالنا من مرحلة المراهقة ويبدأون برسم ملامح شخصياتهم وكياناتهم كراشدين نرتجف نحن الآباء والأمهات فنسارع لممارسة حالة الفصام التي نعاني منها ، نمطرهم بوابل طلقاتنا النظرية ذات الصدى العالي والمجوفة كالطبول ، نشد على أيديهم بأن يكونوا مستقلين في تفكيرهم ، نشجع إختلافهم لإن فيه يكمن ابداعهم وتفوقهم ، نزين لهم طريق الإختلاف ونقربه لهم بصور ونماذج رائعة مرت على البشرية فالأنبياء كانوا مختلفين كذلك الفلاسفة والعلماء المخضرمين ، نشد من أزرهم لنقوي بهم عزيمة المواجهة والثبات على ما يؤمنون به . ونحن معهم ومن خلالهم نستمد نشوة الاحساس بالزهو بأننا قمنا بواجبنا التربوي على اكمل وجه ، كيف لا ؟؟ وقد اغرقناهم دروسا ومحاضرات مليئة بأصوات متنوعة لبوق العبر والمبادئ والحكم التي لا تنتهي …. كيف لا ؟؟ وقد صببنا فوق رؤوسهم حصيلة ما بصمناه واختزناه من كل ما خط من حبر على الورق عبر أجيال وأجيال ، الم نحتفظ لهم بأقاصيص تلك الوريقات الصغيرة التي تلخص لهم دروس الحياة كما عشناها وقرأنا عنها موفرين عليهم عناء التجربة والإكتشاف .
لكن …….!!!
عند الامتحان يكرم المرء او يهان ويذهب الكلام لمجرد الكلام ادراج الرياح …..
الامتحان الحقيقي هنا عملي لا نظري وهو غير ما تعودنا عليه ، فليس المطلوب منا ان نرشق كلماتنا ومواعظنا الصماء مستنفذين حبر اقلامنا على الورقة البيضاء لننهي به فصلا آخر من فصولنا الدراسية ، وليس المطلوب أن نراجع اجوبتنا بين طيات الكتاب للتأكد منها قبل رميه وإهماله على أرفف الكتب التي يكسوها الغبار لإنتهاء الغاية المؤقتة منه ، المطلوب هنا أكثر وأصعب وأهم فالمطلوب أن نكون صادقين مع أنفسنا قبل أولادنا وأن نكون على قدر المسؤولية التي نطالبهم بحملها رغم ثقلها بأن نثبت على المبادئ التي ننادي بها ليل نهار فهل نحن قادرون على ذلك ؟؟
ما يحدث على ارض الواقع اننا نخاف ونقلق حين نرى اولادنا يفكرون بشكل مختلف اذ يحاولون ترجمة ما اتخمناهم به الى دروس عملية يخططوا معها حياتهم بصورة مغايرة لما تعودنا عليه وألفناه ، وهنا تبدأ رحلة من نوع آخر فعواصف التناقض تعصف بنا وقوارب نجاتنا المألوفة توشك على الغرق ، نشعر أن اختلافهم يربكنا ويزعزع الطمانينة في قلوبنا ، نخاف من نظرة المجتمع لهم ولنا ، نخاف من تمردهم ورفضهم لواقعهم وواقعنا ، يرعبنا خروجهم عن السكة التي مشينا عليها نحن وغيرنا لسنوات ….. وعليه ندق ناقوس الخطر ، ونقرع الطبول المجوفة ذاتها لنشن حربا بإسم الحب عليهم ، ونشدهم بكامل قوتنا ليبقوا كما نحن في بركة المألوف الراكدة ، وليبقوا على متن قطار العادة والتقليد المعروف مساره ومواعيده ومحطته الأخيرة بدقة .
اما ما كنا نتفلسف وننظر به عليهم فهو ليس اكثر من مجرد انفصام اجتماعي نعيشه ونتمنى الشفاء منه ….
انتم ايها المختلفون ….. رفقا بنا ، تحملوا عجزنا وتفهموا مرضنا المزمن ، راعوا خوفنا وقلقنا من التغيير ، اسمحوا لنا ان نتعلم منكم الإيمان والإصرار والطموح والحلم ، لا تيأسوا ولا تخافوا فالتغيير لا يصنعه الراضون ولا المتفرجون بل يصنعه اولئك الذين يفكرون ….. وأنتم أنتم فقط من سيغير العالم ليصبح مكانا افضل .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى