إصلاح التعليم 2

#إصلاح_التعليم 2

بقلم: د. #ذوقان_عبيدات

(01)

ثقافة المعلّم:

مقالات ذات صلة

         تحدثتُ في المقالة الأولى عن أولوية #الإصلاح_التعليمي بإصلاح ثقافة #المؤسسة_التربوية، وإصلاح قيمها التي لم تصنع وحدة، أو مجتمعًا متضامنًا. وفي هذه المقالة نتحدث عن المعلم وثقافته وأثرها على حياته وجمهوره. المعلم أولًا نشأ من بيئات اجتماعية، وطبقات اجتماعية متوسطة المكانة، بل أقل من المتوسطة، وعاش تناقضات أنه يعلم طلبة من فئات اجتماعية أكثر رقيّا،  وأقل رقيّا، فعلموا أولاد المسؤولين والملوك، والمهمين وغير المهمين، ومن الطبيعي أن يتأثروا بسلوكات مَن هم أرقى أكثر مما يؤثّرون فيهم؛ خلافًا لأبناء الطبقة الأدنى، ومع الأسف لا تنطبق نظرية الأنابيب المستطرقة عليهم، فتبقى لكل طبقة أنظمتها القيمية والسلوكية.

         أذكرُ أن معلمين في التسعينات من القرن العشرين استنكروا وجود مبلغ خمسين دينارًا  مع أحد طلبة التعليم الابتدائي ما دفعهم إلى الاتصال بالأهل لمعرفة أصل المبلغ!! وفي نهاية التسعينات حمل أبناء الطبقات العليا الهاتف النقال قبل معلميهم، وهكذا فعلوا بالكمبيوتر والآيباد وغيرها من الأدوات.

         ومن ناحية أخرى، حمل المعلمون عبئًا تراثيّا سلبيّا من النكات والتعليقات والمواقف غير المريحة، ففي العصور الإسلامية السابقة، يقول لنا التراث – خلافًا لما يقال عن معلمي أبناء الملوك – إن المعلم كان”مختلف الرغيف”،بمعنى أنه يعمل مقابل أرغفة الخبز، والأدب العربي مليء بهذه الأقوال السلبية – كتاب الجاحظ مثالًا.

 وفي العصر الحديث ، استمع المعلم الأردني إلى رائعة أحمد شوقي:

قُمْ للمعلِّمِ وفِّه التّبجيلا      كادَ المعلِّم أن يكون رَسولا

لم تمرّ الحكاية على المعلمين، وعارضوا قصيدة شوقي:

يا مَن يريدُ الانتحارَ وجدته         إن المعلِّم لا يعيشُ طويلا

وعدّوا كلام شوقي كلام مَن لا يعرف مصائب المعل!!.

           ناضل المعلمون منذ الخمسينات لإنشاء نقابة، تم القضاء عليها سنة 1957، واستمر نضالهم من أجل النقابة حتى نجحوا عام2010 بتأسيس نقابتهم

حتى أطيح بها ثانية. لست بصدد مناقشة الأسباب، فهي معروفة للجميع ، بل يهمني أن أذكر بأن النقابة لو استمرت لنجحت بتطوير  المعلم على المستوى الشخصي والمستوى المِهني. ولا مقارنة بين سلوكات معلم مدعوم بثقل نقابي وبين معلم فرد في مهبِّ الريح!

(02)

انعكاسات ما سبق على المعلمين:

يمكن القول؛ إنّ موروثات المعلمين وواقعهم قد ولّد لديهم ثقافة أسميها” ثقافة التوهين”.، وهذه الثقافة تعكس:

1- ضعف المعلم

2- ضعف علاقة المعلم بالمعلم.

3- ضعف علاقة المعلم بالطالب.

4- ضعف علاقة المعلم بأولياء أمور الطلبة.

5- والأخطر، ضعف علاقة المعلم بالتعليم.

يستحق كل بند من البنود الخمسة دراسة بحثية مستقلة، لكن هنا سأكتفي بمناقشة بندين: اثنين

الأول؛ ما ثقافة المعلم وسلوكاته حاليّا؟

والآخر: ما مظاهر ثقافة التوهين في سلوكات المعلمي؟.

(03)

   ثقافة المعلم:

 تميزت ثقافة المعلم التاريخية والممتدة حاليّا بما يأتي:

أولًا- ثقافة الاستعلاء:

تنبع هذه الثقافة من إحساس المعلمين بالتفوق المعرفي، وامتلاك المعرفة، وانفرادهم بهذه الميزة، فالمعلم هو المتعلم الوحيد في منطقته، حتى عهد قريب لا يزيد  عن ثمانين سنة.

ثانيًا- ثقافة اليقين:

فالمعلم هو وحده من اطّلع على الحقائق، امتلكها، وكلفه المجتمع بنقلها إلى الأجيال دون زيادة أو نقصان. ولما كانت هذه المعرفة تراثية، فإن الإيمان بها جعلها مقدسة غير قابلة للنقد، تستوي في ذلك جميع أنواع المعارف.

ثالثًا- ثقافة التسلط:

وهذه الثقافة جعلت منه شخصًا فوق القانون، فالمعلم ينقل المعرفة، وقد أوكَل له المجتمع مَهمّة تربية الجيل تحت قاعدة: “لك اللحم ولنا العظم”. فنشأت ثقافة الممنوعات، والإذعان، والواجبات الثقيلة، والامتحانات الغبية، والمناهج قليلة الصلة بالحياة.

رابعًا- ثقافة استخدام القوة:

 والقوة هنا هي العقوبات البدنية، حيث تفنّن المعلمون في اختراع ” الفلقة” ومنهم أخذت الأجهزة المختلفة هذا النظام. ومن المهم معرفة أن ضرب الطلبة يكثُر في المدرسة الابتدائية، ويقل إلى حدّ كبير في المرحلة الثانوية، وينعدم في المرحلة الجامعية! وتفسيري لذلك يمتلك المعلمون فائض قوة عضلية فيما يتعلق بالصِّغار، وتوازن قوى لطلبة الثانوي، واختلال القوى لصالح طلبة الجامعة!!!

في المدرسة الابتدائية مارس جميع المعلمين فائض القوة، وفي المدرسة الثانوية أُوكِلت إلى معلم الرياضة كونه الأقوى عضليًا مَهمّة العقوبة البدنية، وفي الجامعات تختفي مظاهر الضرب واستبدلوا عقوبات الترسيب والابتزاز بالقوة البدنية؛ لأسباب معروفة ليس بينها نضج الطلبة، ولا الأخلاق المفاجئة للمدرس الجامعي!

خامسًا- ثقافة عدم التعلم:

  إن إحساس المعلم بامتلاكه معلومات تفوق ما يعرفه الطلبة، يجعله في أمن معرفي، فيتوقف عن اكتساب المزيد. قد يتغير هذا الوضع بعد التقدم الرقمي، لكن الوضع الحالي لا يشجع على التعلم المستمر؛ لأنه يستطيع إلزام الطلبة بحدود الكتاب المقرر.

خامسًا- ثقافة العمل الفردي:

يعمل المعلمون فُرادى، ولعل هذا ناتج عن طبيعة البرنامج اليومي، يدخل المعلم صفّه وحيدًا ويخرج وحيدًا، وليس له فرص الالتقاء بزملائه، وعبثًا كانت توجه له تدريبات للعمل مع زملائه في تخطيط الدروس، وتبادل الخبرات وتقويم العمل، ووضع خطط مشتركة للتطوير.

سادسًا- الالتزام الحرفي بالكتا:.

ولأسباب عديدة يتعلق بعضها بالامتحانات، وبعضها الآخر بالإشراف التفتيشي،  وبعضها بالتحذير من المنهاج الخفيّ. التزم المعلمون بحدود الكتاب، وبذلك ابتعدوا عن مناقشة الأحداث اليومية، واكتفوا بكتاب عقيم.

(04)

أثر هذه الثقافة:

نتج عن هذه الثقافة مجموعة مسلَّمات لم يفحصها أحد،  كانت معيقة لأي تطور في تفكير الطلبة، ومن أبرز هذه المسلمات:

  • امتحانات غبيّة تطلب من الطالب إحضار إجابة واحدة صحيحة، علمًا بأن المطلوب تشجيعه على البحث عن عدة إجابات محتملة.
  • الحفظ المؤقت للمادة كما وردت في الكتاب بما ينهي التعلم المستمر.
  • يتعلم الطالب في بيئة جادة مليئة بالتهديدات والعقوبات.
  • ليس من الضروري أن يحب الطلبة ما يتعلمونه، فقد يأتي الحب لاحقًا كما يحدث في الزواج.
  • من لا يجتاز الامتحان يجب ترسيبه؛ ليتمكن من إتقان حفظ ما فشل في حفظه، فالرسوب يحسّن أداء الطالب.
  • يتعلم جميع الطلبة بالأسلوب نفسه، وعلى كل طالب أن يتكيّف مع أسلوب المعلم.

         وأخيرًا، فالحديث عن الإصلاح التربوي يبدأ كما قلت في المقالة الأولى بإصلاح ثقافة التعليم، وثقافة المؤسّسات التعليمية، وبعدها إصلاح ثقافة المعلم، قبل البدء بإصلاح التوجيهي، والمناهج والتعليم المهني. وأيُّ موّالٍ في رأس أيّ مسؤول غير البدء باصلاح ثقافة التعليم، وثقافة المعلم هو موّال لا قيمة له، وهنا  مكمن الخلل في التعليم!!

 وستكون المقالة التالية عن ثقافة التوهين في النظام التعليمي!!.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى