لولاي عليه / محمد العيسى

لولاي عليه

جئت لكم يا سادتي يا كرام بقصة تحاكي واقعنا الأليم ، وتأخذنا معها نحو التفكر في بطلها وربط شخصيته وجميع أحداث قصته بشيء أو بعض شيء أو ربما كل شيء دار ويدور حولنا هذه الأيام ويتخللها بعض الكلمات العامية والتي لا بد منها لأنها وقعت في عصرنا الحالي ، لعلنا نعتبر من قصة صاحبنا ونتجرد من ملابس الجدل التي أصابها الخلاف بالبلل ، ولعلنا نستيقظ من غفوتنا برمتنا لنبني أمتنا بوحدتنا..

وتقول القصة يا سادتي يا كرام ، بأنه كان هنالك طفل يعيش في بلدة صغيرة وأهله لا يملكون في بيتهم سوى بضع كراسي وحصيرة وأما العشيرة فكانت كثيرة وأملاكهم تملئ أرجاء المعمورة إلا أن البخل كان احدى سماتهم والوقوف الى جانب الفقير فيهم كان بعيد في حياتهم، ولأن الطفل وأبويه فقراء فقد كانوا في عقر تلك العشيرة غرباء وكان عليهم أن يلاحقوا رغيف العيش وحدهم دون شركاء.

كان هذا الطفل مميزا عمن سواه من الاطفال كان جميل جدا ذكي جدا متفوق دائما في الدراسة رغم الفقر والقهر الذي كان يصاحبه هو وعائلته ، وكان هو وأبويه اصحاب أخلاق يضرب بها المثل وعفتهم وكرامتهم لم يصبها السوء ولا العلل ، حتى أنه اذا جاء أحدا على البلدة وسأل عن أكثرهم علما وأخلاقا جيء به الى هذه العائلة.

كبر هذا الطفل وكبرت همومه معه حتى وصل الى مرحلة الثانوية العامة او ما نقول عنه “التوجيهي” ، كان طموحا وحالما رغم كل ما مر به في حياته ، كان يدرس ليلا ونهارا دونما كلل وملل وجميع من كان حوله ممن هم في عمره كانوا في رخاء ودلال وحاجاتهم موفرة لهم ولكن لم يصبه هذا الأمر باليأس أبدا الا انه قد اصابه بالحزن فعشيرته الغنية لم تقف الى جانبه وعائلته في أي أمر من أمور حياتهم.

تقدم الشاب الى امتحان الثانوية العامة وكان جميع عشيرته تراهن على رسوبه رغم ما به من ذكاء وكانت مبرراتهم أحواله الصعبة هو وأبويه إلا ان النتيجة كانت عكس ذلك تماما فقد حاز الشاب على لقب الأول ليس فقط على البلدة الصغيرة بل على البلاد كلها ، تهافت الاعلام من جميع ارجاء البلاد الى هذا الشاب وقررت وزارة التربية والتعليم أن تعمل حفل تكريم له وعند وصول المهتمين من صحافة واعلام ومسؤولين في الوزارة الى البلدة كان في استقبالهم شيخ العشيرة وكبراء البلدة ناصبين لهم خيمة كبيرة ترحيبا بهم.

ولكن قبل هذا كله جاء شيخ العشيرة الى الاب وقال له ” ولدك ولدنا وانجازه انجازنا كلنا والتكريم مثل ما راح يكون الكم فهو اكيد النا ، احنا معكم وما منستغني عنكم ، ياخوي جبنالك الك وللمرة وللولد أكم لبسة البسوها واتهندمو والحقونا عالتكريم ” ، ذهب الجميع الى التكريم وكانت الكلمة الاولى لشيخ العشيرة والتي لم يفارقها أبدا مقولة ” لولاي عليه ” وأظهر للجميع فضله كشيخ وفضل العشيرة على هذا النجاح ، وجاء مدير المدرسة ليلقي كلمته وكانت نفس المقولة ترافقها ” لولا المدرسة عليه ” ولكن عندما جاء دور الشاب ليتكلم صعد على المنصة وكان صوته مصاحبا للألم والحزن يعكس كل ما مر به من حال صعب وتخلي كل من “حمله جميلة دون جميلة أصلا” وقال : ” الحمد لله على نعمته فلولا الله ولولا والدي ما وقفت وقفتي هذه ، وأما انتم يا ابناء عشيرتي لولاي عليكم ما طلعلكم صيت”…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى