أخواتي اللواتي ينتظرن في الجنة / د . ديمة طارق طهبوب

أخواتي اللواتي ينتظرن في الجنة
تمر في حياة المرء مواقف تجعله يحس أنه يفتقد عناصر جميلة في الحياة كانت لتضيف لحياته رونقا ومعانيَ جميلة لو وجدت، والمشكلة أن الله وهبها لبعض الناس، ولكنهم لا يقدرون عظم النعمة التي يرونها شيئا طبيعيا وحاصل تحصيل في حياتهم!
من هذه النعم نعمة الأخوات والبنات الكثر للعائلة الواحدة. فالبيت الذي فيه بنات مختلف، له رائحة الأنوثة والدفء والعطاء، فيه حنان ينساب في كل الاتجاهات، من البنات لمحارمهن من أب وأخ وغيرهم ومن هؤلاء للبنات والأخوات، في بيت البنات احساس الدفء دائم والموقد ليس موقد طعام او تدفئة فحسب انه موقد القلوب الحريصة والمحبة التي تبذل حبا وكرامة لأب وأم وأخ وأخت ولا تقر عين الا والأمن مستتب في أرجاء البيت، فالبنات يأخذن حمل هم الجميع عن أمهاتهن، وبعض الهموم لذيذ اذا خلط بتمتمات الدعاء، وأضيف اليه نكهة العناية، فكم نام من أب وأخ وحاطته أنثى قلقة قائمة في بيته تدعو له بالصحة او الشفاء او التوفيق او الهداية، في البيت الذي يوجد فيه إناث هناك فرح دائم حتى في الحزن، فرح التكاتف والعون والاستبشار برحمة الله، فالهموم تخف عندما يتشارك الناس في حملها، ومن مثل الأنثى حاملة تنسى نفسها لأجل راحة الآخرين؟ في بيت الإناث فرح دائم هو تجليات بعض بشرى حديث المصطفى، إذ قال: “اذا ولدت الجارية بعث الله ملكا يزف البشرى زفا” فهذه الأنثى وهؤلاء الإناث محفوفات برحمة الله ورضاه وهن عنصر الأنس والجمال فالأفراح بهن قائمة عند الميلاد ومستمرة بالإحسان اليهن في الحياة ثم الفرح الأكبر عندما يجد كل محسن أن أنثاه او إناثه كن مدخله الى الجنة.
يشعر بهذه النعم من ولد وحيدا فلم يعش حياة الاخوة والأخوات ومفاصلها الجميلة، لم يعرف معنى ان يكون لك صديق في البيت قبل كل اصدقائك تتعلم معه العطاء والإيثار والمشاركة، فكم منكم أعطاه الناس كثيرا او قليلا فكان السؤال والطلب البريء “وأخي؟ وأختي؟” كم منكم تعرف على مشاعر الغيرة الفطرية من اخوانه واخواته وتعلم ايضا أن الحب والعقل بدائل للمشاعر السلبية فليس كل من أتى جديدا للعائلة أتى ليأخذ مكانك في قلب الموجودين فمكانك أصيل ويُضاف اليه، والقلوب إنما خُلقت لتتوسع بالمحبة
كم منكن تعلمت ما معنى ان يكون لك اخوات يكن مستودع أسرارك؟ كم منكن عاشت تلك المواقف الجميلة عندما تمتلئ غرفة البنات بالهمهمات والمؤامرات النبيلة ثم يسكتن عند دخول الأم او الاب، وفي باطن المشهد اعداد لاحتفال بأحد افراد العائلة او حل لمشكلة يعانيها؟ كم منكن تلذذت بتلك “السرقة’ الجميلة الحلال لملابس اخواتها ولبستها أكثر مما لبسنها؟ فالملابس بين الأخوات مشاع “واللي سبق أكل النبق”، كم منكن بكت لفراقها أخت صغيرة ونامت في سريرها ليلة زواجها وهي تحتضن مخدتها؟ كم منكن وجدت أختا كبيرة تسمع لشكواها عند أول مشكلة زوجية، تسمع وتسمع وتستوعب وتجنب الأم الخوف والقلق ثم تعالج بالحكمة، فتعودين الى بيتك وفي أذنك كلمة اختك الكبيرة “زوجك ما في منه بس طولي بالك”، وتكون تلك الجلسة وتلك النصائح على بداية الطريق كمسحة الرحمن فلا تحتاجين بعدها سوى للتقوى والمودة والرحمة لتسير كل المراكب العالقة، كم من أخت كانت لها اخواتها القائمات بحملها المتحملات لو حمها الراعيات لطفلها حتى تنام؟ كم منكن وصلتها هدية او طبق مشفوعا بعبارة “اشتهيتك بهالاكلة” أو”شفته في السوق وعجبني عليكي”؟ ألم يقولوا في المثل “الخال والد” والخالة أم؟ كم منكن سمعت عبارة “جننتينا انت وولادك يلا روحوا روّحوا” وترحلين مغضبة لتعودي في اليوم التالي وكأنك ما سمعت شيئا؟ كم منكن خرجت وسافرت وغابت واولادها عند خالتهم وهي مطمئنة كما لو كانوا في حضنها؟
قد تكون هذه المشاهد طبيعية ومعتادة للبعض حتى ما عاد يشعر كم هي قيمة وغالية، ولكن جربوا، ولو تخيلا، ان تفقدوها وستعلمون عظيم عطاء الله لكم.
فسبحان من عدد القرابات في حياتنا ليجعل لكل قربى وذي رحم مكانا خاصا في القلب والحياة لا ينازعه فيه أحد ولا يستبدل عنه بغيره وفي اكتمال أركان الأسرة في حياة المرء من أب وأم وأخوة وأخوات فضل ومنة وزيادة وقرة عين دنيوية واجبة الحمد وفي نقصانهم درس وحكمة الهية فلو كان يكمل للمرء ما أراده في الدنيا لكان الحري بالكمال سيد الخلق ولكنه فقد أركان القلب المكينة كلها من أب وأم واخوة ليبقى المولى ركنه المتين الوحيد وعضده وسنده الأحد الذي ربما حرمه من هؤلاء ليكون قدوة لكل محروم ولكن عوضه بمحبة الارض والسماء والشجر والحجر والبشر والدواب.
وأبدله وأبدل كل مسلم لم يحظَ بقرابات الدم والنسب قرابات في رحم الاسلام جعلت الصحابة يفتدونه بأنفسهم وامهاتهم وآباهم
لكل من افتقد هذه المشاعر والمشاهد في الدنيا اطلبوها وادخروها عند الله ففي الجنة عوض لكل مفقود.
أريد أخوات كثيرات في الجنة بإذن الله، واحدة للأسرار، وواحدة لأتخانق معها، وواحدة لتقرأ لي الرقية وانا مريضة، وواحدة لألبس أجمل فساتينها، وواحدة لتطعميني بيدها، وواحدة لتضحك معي، واخرى لتبكي معي، واخريات ليفرحن لفرحي
أنا أريد قبيلة من الأخوات… والأحلام مع الله لا سقف لها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى