﴿حاه…بط…رش; حبطرش،حبطرش﴾ / شبلي حسن العجارمة

﴿حاه…بط…رش; حبطرش،حبطرش﴾

جذف الأطفال الثلاث نحو زوايا الخشة التي تقطنها العاٸلة کما کان يقول والدهم حين تضيق به الحال ذرعاً ”ما حيلتي غير هالخشة الله يهدمها“، وهکذا کانت بيوت الحي التي لا تتعدی أصابع الکف الواحدة، أکوام لحمٍ ثلاث اسندت شوالات أرواحها علی الزوايا النحيلة ولا صوت لهم سوی الهٸهٸة والمناتقة والنشغات التنفسية الطويلة الموجعة وأصابعهم تغرف الدمع والوجع من نبع عيونهم الضحل وباختصارٍ شعبيٍ شديد ” قطعوا النينة والنفس“،کلُّ ذاك بعد نشوة انتصار الأم بکل شباشبها البلاستيکية علی جلودهم الرقيقة وقلوبهم العصافيرية وکلِّ أطراف أجسادهم التي لا زلت في بدايات طور النمو الطويل، وقفت علی باب الغرفة وهي تشهر بيدها الشبشب البرتقالي وبيدها الأخری صُرَّة ملحٍ وقرن فلفل أحمر وهي تقول ”المرة هاي بالشبشب ودغدغة عالماشي، المرة الجاي ”عرام ملح بالقفا وقرن فلفل علی الشدوق أفرکه فرك“ ، وحين کبُر هدبان البکر وسافر لباريس دخل لأحد المطاعم ليأکل ، فجاء السفرجي بالمقبلات وکان من بينها الملح والفلفل فترك المطعم ولاذ بالفرار، تذکر أن الملح هذا سلاح الردع النووي لأمه ربما کان يقبل من أمه أن تحشوه بالملح بطريقتها التي تناسسختها عن جداتها وأمها ليتذوق طعم العصيان من مکانٍ لا ينتمي للذوق بتاتاً لکن لم يستسغ أن يتذوق ذلك التهديد اللفظي المجرد من الفعل من فرنسيٍ يحمل جينات نابليون بونابرت المستعمر ،وکان يقبل أن تشتعل شفتاه بقرن فلفل مفروك من کف أمه الذي طالما ربتت به علی صدره أو صفعت به علی وجهه أو لخمته بالشبشب البرتقالي علی قفاه.
وحين دخلت الجارة أم عقله علی أم هدبان ورأت مشهد تناثر أطفالها مثل ” کنادر التعليلة “ وضعت أم عقلة کفها بتأسف علی شدوقها بطريقة البرم والمسك والجزم وقالة ”يا بيي يا ييبه يا محمد ما ذوق نارك يا مرة وش مسوية بالعجيان يا ريتك بالضريب الي يضربك؟“ ،قالت أم هدبان ”يا غبرة مقصوفين العمار مسويين الدار حبطرش“ .
الدار غرفة وسرير وصحن غسيل حديد وابريق شاي وصحنين طعام وقلن مي، کان ترتبهن وإعادة تنظيمهن يستغرق ربع وقت العلقة والکتلة الي کلاها هدبان وإخوانه.
وحين سافر هدبان لأمريکا أقام هناك ، وبعد أن تعرف علی أشخاص من الجالية العربية، کانت سهرة الويك إند نهاية الأسبوع عرس وفرحة يطول انتظارها ،فکلما قدم لشقته صديق أردني أو عربي کانت هديته من لوازم السهرة ،إيهاب رواشدة صاحب مطعم البيتزا يحضر من البيتزا کراتين ومهدي حسنات متعهد الأيس کريم يجلب سطل من البوظة ، وفاضل شهوان يشتري مارس بطيخ وصهريج کوکا کولا ، وحين يتصل أحدهم ليدعوا البقية يقول “إحنا بشقة شباب السفارة وکل شي حبطرش“.
کان هدبان أمام السفير لتوقيع البريد الدبلوماسي وهو يتصل بوزير الخارجية ليمسح الجوخ له بقوله” معاليك متی بدك تشرفنا هون محضرينلك عشا علی اليخت العاٸم بس توصل وليلة من ليالي العمر، بس معاليك لا تنسانا سمعنا انه في تشکيل وزاري حبطرش“.
عاد هدبان للوطن وبقي مصطلح الحبطرش ظلاً يلازمه کالماء الشفاف الذي يأخذ شکل الوعاء ولونه ، فحين حصلت مشاجرة سمع أحدهم ينخی بأبناء عمومته ويقول تعال الليلة ودنا نبيتهم ونخلي البزر علی روسهم حويسة والسلاح ابشرك حبطرش.
حبطرش عند أم هدبان تعني تشويه الخشة والغرفة اليتيمة في الحي من الداخل وخربطة الجدحان وشرشف التخت الکويتي، وحبطرش في أمريکا تعني السخاء والکرم والوفرة، وحبطرش المشاجرة الشعبية تعني وفرة فرص الموت أکثر من فرص النجاة، وحبطرش مکالمة السفير تعني لهدبان مشهد الخبازة علی الصاج الأسود علی الثلاثة حجارة غير المنتظمة وغير المتوازنة فوق النار التي تم إشعالها من خشب الطوبار وصناديق الخضار وأغصان الشجر الناشفة وورق شوالات الإسمنت وروث الدواب لينضج الخبز العويص غير المختمر وتخمد أنفاس اللهب وتتطاول أعمدة الدخان الذي يوحي لکل الحارة أن فلانة صبحت تخبز والدخنة فوق راسها قاطبة.
هدبان حاول تفکيك رموز حبطرش لحل المعادلة التي تنتمي لها الکثير من الأشياء الواضحة والمبهمة ،فجزأها لثلاثة مقاطع عَروضية ” حاه…،بط…،رش“ ، فحاه إيعاز للبهيم بالمشي وعدم الحرنة والعصيان ، وبط هو طاٸر برماٸي ورش تنتمي لحالة السيولة العشواٸية والخفيفة، ولا زالت تفاصيل الشبشب البرتقالي وصرة الملح وقرن الفلفل حبطرشات في ثقافة هدبان الذي لم يجد رابطاً بين حاسة التعذيب بالذوق المحشو والتنکيل بفرك الفلفل علی الفم والأنف والصفخ بالبلاستك ومشتقاته علی الوجه وکل مساحات الجسد النحيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى