هل اقتبس الامريكيون فكرة المجمع الانتخابي من المسلمين؟ / داود عمر داود

هل اقتبس الامريكيون فكرة المجمع الانتخابي من المسلمين؟

15570885_1201972756563813_1078263407_n


بقيت أسابيع قليلة على تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية. والملفت للنظر أنه ليس هناك نظام سياسي اليوم يشبه نظام الحكم في أمريكا، فهو فريد من نوعه. وينعكس هذا التفرد في كيفية انتخاب الرئيس بطريقة غير مباشرة، فيما يعرف بالمجمع الانتخابي، ثم في كيفية انتخابه فعليا من قبل أعضاء المجمع، قبل شهر من يوم تنصيبه.
كيف يعمل المجمع الانتخابي؟
يتحدد عدد أعضاء المجمع الانتخابي لكل ولاية حسب عدد سكانها. وجميع هذه المقاعد هي وحدة واحدة لا تتجزاء، فإما أن تذهب الى هذا المرشح او ذاك، كتلة واحدة. ولو افترضنا ان مرشحا حصل على 51% من اصوات الناخبين فانه يحصل على كامل المقاعد الانتخابية في الولاية الواحدة، بينما منافسه الذي حصل على 49% من الأصوات لا يحصل على أي مقعد انتخابي، ويخسر الولاية بالكامل.
يلتقي مندوبو الولايات، أعضاء المجمع الانتخابي، في العاصمة واشنطن، يوم الاثنين، 19/12/2016، ويدلون بأصواتهم، كتلة واحدة، الى المرشح الفائز في ولايتهم. ومن يحصل على أعلى الأصوات في المجمع الانتخابي يصبح هو رئيس البلاد. والدارج أن يصوت أعضاء المجمع الانتخابي مثلما صوّت أغلبية الناخبين في ولاياتهم. وهكذا جرت العادة، أن لا يغيروا الولاء، إلا إذا حدث تغيير الولاء هذه المرة على حظ دونالد ترامب، كما يتردد.
التأثير الاسلامي على أمريكا والظرف التاريخي
هذه الطريقه في اختيار الرئيس هي الاقرب لفكرة “أهل الحل والعقد” الذين يوكل اليهم اختيار الحاكم شرعا، كما كان نظام الحكم عند المسلمين في الماضي. وربما اقتبس مؤسسو أمريكا هذه الفكرة من المسلمين، وانعكست في نظامهم السياسي على شكل المجمع الانتخابي. فالدولة العثمانية كان لها تأثير كبير على أمريكا عند تأسيسها، لكن الناس اليوم لا يلتفتون الى هذا الجانب. وهناك قوانين كثيرة اخذها مؤسسو النظام السياسي الأمريكي من الدولة العثمانية، الدولة الاولى في العالم انذاك، كنظام الضمان الاجتماعي الذي اقتبسوه من نظام مماثل كان معمولا به في الدولة العثمانية، وقوانين اخرى كثيرة.
سبب اقتباس الأمريكيين من العثمانيين هو الظرف التاريخي، حيث كانت بلادهم قد استقلت للتو من الاستعمار الاوروبي، وكانت حانقة على الاوروبيين، فلم يأخذوا من القانون الفرنسي أو من القانون الانجليزي، ولم يكن امامهم إلا القوانين العثمانية، فأخذوا ينهلون منها قانونا تلو الآخر، وهذا ربما يشكل أحد أسرار قوة واستقرار النظام السياسي، في تلك البلاد.
الأدلة كثيرة على تأثير المسلمين على نظام الحكم والقوانين في امريكا. من ذلك اللوحة الرخامية المعلقة في أروقة محكمة العدل العليا في واشنطن، منذ عام 1935، والتي كرمت فيها المحكمة النبي محمد، عليه السلام، (كواحد من أعظم المشرعين في العالم). مما يدلل على أن حجم القوانين التي اقتبسوها من المسلمين كان كبيرا جدا.
لم يأخذ الأمريكيون قوانينهم فقط من المسلمين، بل حصلوا أيضا على مساعدات علمية وهندسية. فالزائر لواشنطن لا بد أن يمر على جسر عريض على “نهر البوتامك”، ولو توقف عند أحد طرفي الجسر لوجد هناك لوحة مكتوب عليها: “شُيد هذا الجسر عام 1840 بمعونة فنية من الدولة العثمانية”.
المجمع الانتخابي ومفهوم “أهل الحل والعقد”
تعريف “أهل الحل والعقد”، في التاريخ الاسلامي، أنهم “أهل الشأن من الأمراء والعلماء والقادة والساسة ووجوه الناس” الذين تتوفر فيهم شروط العدل والعلم والرأي والحكمة. ويبدو أن هناك شبه كبير بين المجمع الانتخابي الأمريكي وبين مفهوم أهل الحل والعقد. إذ أن طريقة اختيار هذا المجمع، حسب النظام الأمريكي، هي أن يُسمّي كلٌ من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، عددا من كبار أعضائه في كل ولاية على حده، ليصبحوا هم أعضاء المجمع، فيما لو حصل مرشحهم على أغلبية أصوات الناخبين. وعندما تتم عملية الفرز يتحدد المرشح الحاصل على أعلى الأصوات الشعبية، فيصبح المندوبون الذين حددهم حزبه، في الولاية، هم أعضاء المجمع الانتخابي، الذين سيصوتون له. وبالتالي يتم وضع عددهم في خانة مرشحهم. وعندما يتوالى ورود النتائج، من جميع الولايات، يُعتبر فائزا بمنصب الرئيس من يكون قد حصل على أكبر عدد من أصوات المجمع الانتخابي في عموم البلاد.
تذهب كل أصوات أعضاء المجمع، في الولاية الواحدة، معا الى الحزب الفائز، ويصبح هؤلاء الأعضاء هم وفد الولاية، يوم يلتقون في العاصمة، للقيام بعملية الانتخاب الفعلي للرئيس الجديد. فهم الذين يعينونه حاكما للبلاد، ويمنحونه الشرعية القانونية. فإنتخابات الولاية هي انتخابات ليست لاختيار الرئيس مباشرة، بل هي لاختيار مندوبين يشكلون “المجمع الانتخابي”، الذي بدوره ينتخب الرئيس، ويحمل أعضاؤه ارادة الناخبين الى واشنطن، فيختارون الرئيس الجديد، كممثلين للشعب، ويضفون عليه الشرعية الدستورية.
إذا كان مؤسسو النظام الامريكي قد اقتبسوا فكرة المجمع الانتخابي من المسلمين، فماذا عن فكرة “البيعة”؟ معروف تاريخيا أن البيعة معناها أن يختار أهل الحل والعقد رجلا من المسلمين يتولى الأمر والحكم. فيصبح السؤال هل هو: هل اقتبس الأمريكيون أيضا فكرة “البيعة” وانعكست عندهم في قيام المجمع بانتخاب الرئيس فعليا، قبل شهر من يوم تنصيبه؟
الخلاصة إذن، يبدو أن تأثير العرب والمسلمين على النظام السياسي في أمريكا كان كبيرا. فالأمريكيون أخذوا من حضارتنا ما يفيدهم، ويطبقون الان قوانين كان معمولا بها لدينا، فارتقوا بواسطتها إلى أعلى مراتب الانسانية، بينما نحن للاسف تركنا هذه الحضارة، واستغنينا عنها، وها نحن نقبع في آسفل سلم البشرية. فماذا يقول العرب والمسلمون في حالهم اليوم؟ ولينظروا كيف كانوا وكيف أصبحوا، علهم يفيقون من سباتهم العميق!
داود عمر داود / محلل سياسي
daoud@shorouq.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى