قرار ترامب سحب قواته من سورية / عبدالباري عطوان

تهديدات فصيلين عسكريين مدعومين إيرانيا احدهما في سورية والثاني في العراق كانت وراء قرار ترامب سحب قواته من سورية.. هل ستتجاوب السعودية ومصر وقطر والامارات بارسال قوات تملأ الفراغ؟ وما جدية تصريحات الجبير في هذا الصدد؟ وأين ستذهب المليارات الأربعة؟

تراودنا شكوك كثيرة حول تجاوب أي من الدول العربية التي اتصل بها جون بولتون، مستشار الامن القومي الأمريكي، لارسال قوات الى شمال شرق سورية لتحل محل القوات الامريكية التي يقدر تعدادها بحوالي 2000 جندي التي بات انسحابها مؤكدا بسبب المخاطر التي ستشهدها في الاسابيع المقبلة، كرد فعل على العدوان الثلاثي على سورية.
الرئيس ترامب سيمضي قدما في تنفيذ تعهداته الانتخابية التي اطلقها في نيسان (ابريل) عام 2016، وتعهد فيها بإعادة القوات الامريكية المتواجدة في سورية، واكد عليها مجددا قبل ثلاثة أسابيع ضاربا عرض الحائط بتحذيرات جنرالاته، وكاشفا ان بلاده انفقت 70 مليار دولار في سورية دون أي فائدة.
ما يلق الرئيس ترامب التقارير الاستخبارية التي وصلت اليه من المخابرات المركزية الامريكية وتفيد انه بعد قضاء الميليشيات العسكرية الموالية لإيران على تنظيم الدولة في الموصل، وحصره في جيب يمتد على طول 15 كيلومترا على طول شرق الفرات جنوب الحسكة السورية، باتت هذه الميليشيات تستعد لمهاجمة القوات الامريكية على الأرض من خلال حرب عصابات مكثفة.
لواء الباقر، احد الميليشيات الرئيسية، التي حاربت الى جانب الجيش السوري ضد الفصائل المسلحة، ويقدر تعداد رجاله بأكثر من 5000 مقاتل، والمدعوم من ايران والجنرال قاسم سليماني، أعلنت قيادته رسميا عن البدء في حرب عصابات ضد الجيش الأمريكي في سورية والعراق، وفعلت حركة النجباء التي كانت جزءا رئيسيا من الحشد الشعبي الذي قاتل تنظيم “الدولة الإسلامية” او “داعش” في العراق، انها ستفعل الشيء نفسه في الأسابيع المقبلة، وان الاستعدادات بدأت في هذا الصدد، وتملك هذه الحركة، حسب تقديرات غير رسمية حوالي 15 الف مقاتل، ومحطة تلفزيون، وقياديتن عسكرية وسياسية داخل العراق، ولا ننسى “حزب الله” اللبناني.
***
صحيفة “وول سترين جورنال” المقربة من البيت الأبيض اثارت زوبعة في المنطقة عندما كشفت ان الرئيس ترامب يريد إحلال قوات عربية مكان قواته المنسحبة من سورية، خاصة من دول محور الاعتدال، أي مصر والسعودية وقطر والامارات والأردن، والدول التي لا تريد ارسال قواتها عليها المساهمة في دفع أربعة مليارات دولار لتمويل هذه القوات وتجهيزها عسكريا.
السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، فاجأ الكثيرين عندما اعلن استعداد السعودية للمشاركة في القوات المطلوب ارسالها الى سورية، ولكنه اشترط ان تكون في اطار التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة اذا صدر قرار بتوسيعه.
لا نعتقد ان مصر التي رفضت ارسال قوات الى اليمن، ستلبي طلب جون بولتون، مستشار الامن القومي، الذي اتصل بمدير مخابراتها عباس كامل وطالبه بإرسال قوات الى سورية يمكن ان تكون هدفا لحرب عصابات تخوضها ضدها ميليشيات مدعومة من ايران، وفي مناطق خارج سيطرة الحكومة السورية، ودعما لمشروع انفصال كردي.
تنظيم “الدولة الإسلامية” “داعش” الذي يخوض حربا دموية ضد القوات المصرية في سيناء سيجد في وجود أي قوات مصرية شرق الفرات صيدا ثمينا أيضا، حيث تقول التقديرات انه ما زال موجودا بقوة في هذه المنطقة، وان تعداد مقاتليه يصل الى 15 الف مقاتل في جيب يبدأ من جنوب الحسكة ويمتد حتى البوكمال على الحدود العراقية.
لا نعرف ما هي الأسس التي اعتمد عليها السيد الجبير عندما ابدى استعداد بلاده التي تخوض حربا شرسة في اليمن طوال السنوات الثلاث الماضية لارسال قوات الى سورية، فاذا كانت المملكة لم ترسل الا اعداد محدودة من قواتها للقتال داخل اليمن، وحصرتها في الحد الجنوبي فقط، فكيف سترسل قوات الى سورية، الشيء نفسه ينطبق أيضا على الامارات، شريكتها في حرب اليمن، وكذلك قطر التي تخشى من اقتحام دول التحالف الأربع المقاطعة لها لعاصمتها وتغيير النظام فيها.
***
الامر المرجح ان تكتفي هذه الدول الخليجية الغنية بتقاسم مبلغ الأربعة مليار دولار الذي طلبه الرئيس ترامب، وان يتم انفاق هذا المبلغ على قوات من مرتزقة شركة “بلاك ووتر” التي تقاتل بعض وحداتها في اليمن حاليا، مثلما قاتلت الى جانب القوات الامريكية في العراق.
ايريك بنس، رئيس شركة “بلاك ووتر”، اعترف انه بدأ اتصالاته مع مسؤولين خليجيين لتقوم وحدات عسكرية من المرتزقة لملأ الفراغ الذي قد ينجم على انسحاب القوات الامريكية، والمسألة مسألة أموال، وهي جاهزة على أي حال، خاصة اذا امر بها الرئيس ترامب فمن يستطيع ان يرد طلباته؟
حديث ترامب عن الانسحاب من سورية والبحث عن قوات عربية، او مرتزقة، للاحلال محلها تحت ذريعة محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” او “داعش”، ومنع ايران وحلفائها من مليء أي فراغ هو اعتراف بالهزيمة أولا، وصدور قرار امريكي بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط تدريجيا او كليا، وترك الساحة السورية للحليفين الروسي والإيراني ليرتعا فيها كيفما أرادوا.
العدوان الثلاثي قد يكون الذريعة لهذا الهروب الأمريكي المتوقع من سورية، وترك الفصائل السورية المسلحة وحلفائها في الخليج وتركيا يواجهون مصيرهم، واقدارهم لوحدهم.. والله اعلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى