وضع الرأس الكبير في عش الدبابير / يوسف غيشان

وضع الرأس الكبير في عش الدبابير

لست حاسدا وحسودا أكثر من أي عربي، لكني أغار إلى حد الحسد حينما أسمع في الأخبار والصحف حول ما يتفقون على تسميته (العقل المدبّر) الذي يقف وراء عمليات جسام وأحداث عظام يشيب لهولها الصلعان.. مثل انفجار أوكلاهوما أو أحداث مترو الأنفاق أو الحادي عشر من أيلول. أشعر بالغيرة من كل عقل مدبر مهما كان حجم العملية …حتى لو كان عقلا مدبرا لعملية اختطاف طفل أعمى.
أتخيل العقل المدبّر كائنا أسطوريا بوجه فريد الملامح. لامع الأعين بنظرات تخترق الرصاص المصفّح … جسد رياضي البتة..
أملي وهدفي وطموحي أن أصير عقلا مدبرا لشيء ما حتى لو كنت عقلا مدبرا لمنهل الصرف الصحي في شارع مهجور … فقط أريد أن احصل على لقب» العقل المدبر « فتتداولني الصحافة والمواقع الإليكترونية ووسائل الأعلام الأخرى بهذه الصفة.
لا اطمح في البداية أن أكون على مستوى «كوتوموتو» أو المرحوم وديع حداد أو «بادر-ماينهوف» ولا حتى التوباماروس … طموحاتي متواضعة وسوف أكبر تدريجيا ويكبر عقلي المدبر، حتى أصير مثل بقية العقول المدبرة.
العقل المدبر أكبر من مدير، وأكبر من وزير، … عقل !! أنت مطلق عقل، عقل مجرد .. دماغ هائل القوة والتأثير، وما الجسد وأطرافه وأظلافه، إلا مجموعات من الخدم والحشم لتنفيذ أوامر العقل وإيحاءاته وإيماءاته.
تخيلوا معي:
الجميع ينصتون لما أقول … يضحكون إذا ضحكت ويعبسون إذا قطّبت جبيني. يلعنون الحر إذا لعنته ويمتدحون البرد إذا امتدحته … أنا أقوم بدور محوري تماما؛ انظر بلامبالاة إلى الخريطة الساجدة أمامي بخشوع، وما على الأتباع إلا ملاحقة نظراتي والمكان الذي أضع فيه إصبعي (حتى لو ولجته في انفي لغايات البحث عن أسلحة الدمار الشامل). ثم أقوم بإصدار ثلة من التعليمات يتلقاها الأتباع بشغف ويهرعون لتلبيتها، قبل أن يفهموها، طبعا.
يا للروعــــــــــــــة!!!!!!!!!
العقل المدبر … انه أروع لقب سمعته في حياتي المشبوح بين محيطين عملاقين، كوطني الكبير، كم أتمنى أن أصير عقلا مدبرا ولو لشهر. لأسبوع. ليوم … لساعة … لدقيقة … لثانية. لفانية حسب تعبير سعيد صالح في «العيال كبرت».
لكن من وين يا حسرة!!! فما أنا أكثر من عقل مدبر لتوزيع أشلاء الراتب على أيام الشهر، وفرصتي الوحيدة في تبوّء هذا اللقب هي في إدخال رأسي في وكر دبابير. فلا يخرج إلا(مدبرا). فأصير عقلا مدبرا، حتى أشفى…. إن شفيت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى