نحو إنشاء “المركز الوطني للقياس والتقويم” …. 2 / د . خالد حُسين العمري

بسم الله الرحمن الرحيم
نحو إنشاء “المركز الوطني للقياس والتقويم” …. 2
من الآخر ،،، إذا كان لابُــدَّ من تطوير المناهج، فإن الجهة التي تعطينا صورة دقيقة لما يجب تغييره أو تعديله وتطويره هو نتائج عمليتيالتقويم والتقييم، ففي النهاية يكاد يُجمع أغلب خبراء التربية والتعليم على أن التقويم يقود عملية التعليم، ويكون التقويم أكثر فاعلية عندما يكون مستقلاً عن وزارة التربية والتعليم، فيكون محايداً موضوعياً تعكس نتاجاته مخرجات الوزارة بصورة تستفيد منها في تطوير وتجويد عملها سواء على صعيد المناهج أو على صعيد المعلمين وغيرها من الصعد. وفي مقال سابق نشرت تجربة المملكة العربية السعودية في إنشاء المركز الوطني للقياس والتقويم، وعند تناولنا للمركز القومي للقياس والتقويم في مصر فإن فاعلية الأول كانت أكبر بكثير وذلك عائد لأن المركز في مصر يقع تحت مظلة الوزارة فلم تعد نتائجه فاعلة وقوية وهذا على لسان إدارته في حين هو مستقل عن وزارة التربية في السعودية.
إن إنشاء مركزاً للقياس والتقويم والامتحانات يدفع باتجاه إجراء البحوث والدراسات العلمية لتطوير نظم التقويم والامتحانات، كأحد محاور المنظومة التعليمية والتربوية، وإن تطوير نظم التقويم بمختلف أساليبه وأدواته تعزز وتساند منظومة التعلم عند الطالب، ومنظومة التعليم عند المعلم، وهو ما سيقود إلى تنمية مستويات التفكير العليا كالتفكير التحليلي، والناقد، والإبداعي بدلا من الاستمرارية في تكريس الحفظ والاسترجاع عند الطلبة. إن وجود مركز وطني للقياس والتقويم سيقود على المدى القريب (بضع سنوات) إلى الدفع بأن يكون التقويم مستمراً خاصة بعد أن يعمل المركز على إنشاء بنوك الأسئلة لمختلف الصفوف والمباحث الدراسية، فيصبح التقويم تشخيصياً علاجياً بدلا من بقائه ختامياً من أجل اتخاذ قرارات في نجاح الطالب ورسوبه وتقديم تقدير لمعدله إن كان ممتازاً أو جيداً أو غيره من التقديرات.
إن المشاريع التي يمكن أن يتبناها المركز الوطني للقياس والتقويم تتنوع حسب أولويات الوطن، فنحن مقبلون على ثورة بيضاء في امتحان الثانوية العامة، فحري بأول المشاريع التي يمكن أن تساند هذا التطويرهو إعداد اختبارات لقياس القدرات لدى الطلبة وليس المعارف مثل القدرة الرياضية (الرياضيات/الكمية)، والقدرة اللغوية وهما القدرتان اللتان يقيسهما اختبار SAT باللغة الإنجليزية، ويكون التصحيح ليس بالعلامة الخام كعلامة التوجيهي بل بالمئينات والرتب المئينية، أو بالعلامة المعيارية ضمن مقياس خاص يمكن بناؤه لطلبة الوطن.
أما المشروع الثاني الممكن البدء به هو ما كانت وزارة التربية والتعليم قد بدأت به وهو بنوك الأسئلة، ولا نقصد بها حافظات الأسئلة بل بنوك الأسئلة بمفهومها العلمي القائم على بناء فقرات وأسئلة مختلفة الأنواع (موضوعية، وحرة)وتحكيمها، وتحليل تلك الأسئلة بعد المرور بكافة الخطوات العلمية في بناء بنوك الأسئلة، واستخراج الإحصائيات لكل سؤال وفقرة بعد تجريبها، واستحداث مقياس خاص لنتائج الطلبة في الاختبارات الناشئة عن بنوك الأسئلة بعيداً عن المقياس المئوي المستخدم في التوجيهي كأن يكون هنالك مقياس مثل مقياس الذكاء (IQ) أو غيره مما يساهم في تغيير معايير الحكم على الطالب مثل ما هو شائع في وطننا.
كما يمكن للمركز إعداد اختبارات متنوعة للمتفوقين والمبدعين في مختلف المجالات، وكذلك إعداد اختبارات تعليمية يستفيد منها الطلبة والمعلمين، ناهيك عن الأبحاث التربوية التي هي من صميم عمل القياس والتقويم، إضافة لعقد المؤتمرات التربوية المتخصصة.
كما يمكن للمركز على المدى المتوسط التعاون مع ديوان الخدمة المدنية في عقد الاختبارات التنافسية لمختلف الوظائف التي يعلن الترشح لها، والتعاون كذلك مع الجامعات في عقد اختبارات متخصصة في المجالات التي يرون ضرورة عمل اختبارات تنافسية لها، وأيضا يمكن للمركز أن يصبح تلك الجهة المحايدة في مختلف أنواع الاختبارات التنافسية التي تكون على مستوى مؤسسة، أو مجموعة مؤسسات، أو على مستوى الوطن.
إن إنشاء مركز وطني للقياس والتقويم هو أشبه ما يكون بتبني بوصلة موضوعية محايدة لمختلف الأهداف التي تسعى لتحقيقها الوزارات، والمؤسسات، والهيئات على مستوى الوطن أو ما دون ذلك. رؤيتنا فيه تقديم حلول شاملة موضوعية ومتكاملة في قياس تحصيل الطلبة وقدراتهم ومهاراتهم وتقييمها بأسلوب علمي رصين يصبح النموذج في الوطن العربي مما يلبي حاجات الوطن والمستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى